مؤشر حوكمة الشركات لتعزيز التنافسية
منذ أن تكاملت منظومة مبادئ حوكمة الشركات عام 1992 على يد لجنة كادبري، تزايد الاهتمام بها بشكل متصاعد على مستوى العالم ككل، وظهرت نسخ جديدة ومتطورة من تلك المبادئ، في سباق محموم مع تطور وتعقد القضايا التي ظهر فيها تورط مجالس الإدارات في قضايا فساد، أدت إلى نهاية عمالقة الشركات العالمية، لقد تبين من خلال تلك الأحداث أن قضايا تشكيل مجلس الإدارة والعلاقة بينه وبين الجمعية العمومية والفصل في السلطات والرقابة الداخلية واللجان العاملة والشفافية والإفصاح عن كل ذلك، هي محاور رئيسة لضمان بقاء الشركات واستمرارها، وأن جميع أصولها تدار لمصلحة المستثمرين مع الحفاظ الكامل على حقوق جميع الأطراف ذات العلاقة، ولهذا انتشر مفهوم أصحاب المصالح Stakeholders جنبا إلى جنب مفهوم حملة الأسهم Stockholders. ومع انتشار مفاهيم الحوكمة الضخمة بدأت الأسئلة البحثية تدور حول وجودها فعلا، ذلك أن الإطار النظري الذي بنيت عليه لم يتم اختباره تجريبيا في عالم الأعمال. من أجل ذلك ظهرت اتجاهات بحثية ومدارس تؤكد وجود علاقة بين التزام الشركات بمبادئ الحوكمة وبين قدرتها على الاستمرار، وكذلك بين هذه المبادئ وبين الأداء الكلي للشركات أو أهم قطاعاتها، كما ظهرت أدلة تثبت العلاقة بين التزام الشركة بمبادئ الحوكمة أو بعض أهم عناصرها وبين سعر السهم، وبناء على كل ذلك توافر دليل تراكمي على مدى الأبحاث العالمية، أن هناك وجودا فعليا لتأثير مبادئ الحوكمة في قرارات المستثمرين، لكن أكبر معضلة بحثية واجهت الباحثين هي وجود مؤشر محايد لمدى التزام الشركات بمبادئ الحوكمة، مؤشر مبني على أسس علمية ومعلن بشكل رسمي.
ظهرت في العالم مؤشرات متعددة من أهمها مؤشر "فاينانشيال تايمز"، ومؤشرات أخرى حول العالم، ولكل مؤشر منها مزاياه وعيوبه، لكنها في مجملها تقدم أضواء مهمة في طريق المستثمرين عند بحثهم عن شركات يمكن الاعتماد عليها لاستثمارات طويلة المدى، وبالأمس تقترب السعودية من اللحاق بالركب العالمي من حيث توفير مؤشر لحوكمة الشركات في المملكة، وهو المؤشر الذي أعلنت عنه هيئة الاستثمار خلال مبادرتها ضمن فعاليات منتدى التنافسية، بالتعاون مع جامعة الفيصل و"الاقتصادية". ولعله المكان والوقت المناسبين فعلا لإعلان مثل هذا المؤشر، ذلك أن مفهوم حوكمة الشركات في المملكة قد ضج بما يكفي، وذلك بعد أن تبنت هيئة السوق المالية منذ سنوات عدة لائحة حوكمة الشركات التي صدرت كلائحة إرشادية غير إلزامية عام 2006، ثم تطورت مع تطور السوق المالية ولتبدأ الهيئة بفرض الإفصاح عن مدى التزام الشركات بمواد اللائحة والإفصاح عن تلك القواعد التي لم يتم الالتزام بها وأسباب ذلك، ثم تطور الأمر عندما بدأت الهيئة تفرض الالتزام ببعض مواد تلك اللائحة، وبما أن البحوث والدراسات أثبتت وجود علاقة بين مدى الالتزام بقواعد الحوكمة ومستوى أداء الشركة وتحسن أعمالها، وبما أن لدينا قواعد منشورة عن الحوكمة والشركات تفصح إلزاميا عن التزامها بتلك القواعد، لذلك فإن البيئة خصبة ومهيأة تماما لتطوير مؤشر عن مدى التزام الشركات بالحوكمة، مؤشر يرتب الشركات ويصنفها بمدى التزامها بتطبيق اللوائح.
سيكون لهذا المؤشر ما بعده بلا شك، خاصة بعد أن تبنته الهيئة العامة للاستثمار، وهي تسعى جهدها إلى تعزيز التنافسية في المملكة وجذب الشراكة العالمية، فمن المتوقع أن تتوجه الاستثمارات نحو تلك الشركات التي تصنف في مراتب متقدمة في المؤشر، ومن المتوقع أن تتحسن التنافسية بناء على هذا المؤشر، كما أن هذا المؤشر، بالتزامن مع توجهات هيئة السوق المالية لإصلاح هيكل السوق من خلال تصنيف الشركات بناء على مستويات الخسائر، سيعزز مفاهيم الاستثمار وسيعمل على تخفيف وطأة المضاربات، خاصة إذا ظهرت تصنيفات الشركات الخاسرة وذات العلامات الحمراء ضمن المستويات المنخفضة في المؤشر، أو على الأقل ستكون المخاطر أكثر وضوحا من ذي قبل. وبشكل عام فإن ظهور المؤشر في هذه الوقت بالذات يدل على أن المسار الاقتصادي الذي تسير فيه المملكة نحو تعزيز التنافسية واضح المعالم الآن.