«سموكي» في شوارع الرياض
اشتهر أواخر السبعينيات من القرن الماضي فيلم أمريكي بعنوان Smokey and the Bandit يتحدث الفيلم عن مطاردة بين ''سموكي'' وتدل على العصبية، وهو شريف إحدى مقاطعات تكساس، و''الباندت'' أو مخالف القانون ويمثل دوره الممثل الأشهر Burt Reynolds. بدأت الإشكالية بالرهان على إيصال شحنة من مدينة إلى أخرى في وقت قياسي، لكن بطل الفيلم نقل معه عروساً كانت واقفة في الشارع تبحث عمن يقلها بعيداً عن عريسها الذي تركته يوم الزفاف. صادف أن يكون العريس هو ابن الشريف الذي قرر أن يقبض على المخالف بكل الوسائل المتاحة.
إشكالية الشريف كانت في أنه تجاوز حدود صلاحياته وبدأ المطاردة في مقاطعات أخرى بل تجاوزها ليطارد الخارج عن القانون في أغلب ولايات الجنوب الأمريكي. حول الشريف مشكلة شخصية مع عروس ابنه إلى قضية رسمية، وأقحم نفسه في سباق مع مخالف القانون عبر الولايات متحدياً القانون ومتعرضاً في الوقت نفسه للإهانة والطرد من قبل أكثر من استعان بهم من ممثلي القانون في المقاطعات والولايات الأخرى، ومعرضاً السيارة الرسمية التي يستخدمها للتكسير والانقلاب والحوادث الغريبة.
لم يكن ما فعله الشريف شجاعة، فهو استغل شارته الأمنية وصلاحيته، في حل مشكلة شخصية لا علاقة للقانون أو صفته كرجل أمن بها. هذا أعطى شخصية الشريف بيوفورد صفة الغباء والصلف وعدم الاهتمام بالقانون، بل إن الاسم ارتبط في حالات كثيرة برجال الأمن الذين يتجاوزون القانون مستغلين صفتهم الرسمية.
تكلمنا كثيراً عن قضية الحصانة التي يستغلها البعض ويفهمونها بشكل خاطئ. إن وجود الشخص في مكتب رسمي أو لبسه ملابس تمثل الدولة أو انتماءه لقطاع رسمي يجعل عليه من المسؤولية أكثر مما يعطيه من الحصانة والصلاحية، ذلك أن كل القطاعات هي تحت طائلة المساءلة القانونية وكلما ترسخت هذه المفاهيم لدى الناس، كلما كان من السهل أن يطبق القانون بالشكل الذي أريد له وهو حماية المواطن وليس الموظف العام. لعل هذا ما تعنيه عبارة موظف خاضع التي نقرؤها في تعريف الموظف العام سواء كان عسكرياً أو مدنيا، فالجميع موظفون خاضعون للأنظمة ومعرضون للمساءلة على هذا الأساس.
ما يزيد القضية أهمية هو أن الموظف العام ''الخاضع''، يكون مسؤولاً وقطاعه مسؤول كذلك عن كل مخالفة يرتكبها الموظف. أما المواطن بصفته العادية فهو مسؤول عن نفسه وسلوكياته فقط. يجب أن يفهم كل موظف عام هذا ويستوعبه وتستوعبه الجهة التي ينتمي إليها. يضاف إلى هذا أن يعلم الجميع أن المجتمع بجميع مكوناته تجاوز صفة الجهل بالقانون وأصبح الكل يعرف حقوقه، وليس عليك سوى أن تقرأ عن الكم الهائل من المعاملات والشكاوى التي تتعامل معها الجهات الحكومية، وكذلك القضايا المرفوعة في ديوان المظالم ضد الجهات الحكومية، بسبب سلوكيات أفراد أو إدارات حكومية.
قرأت الأسبوع الماضي معلومة تقول إن المواطن في السويد له الحق أن يطلب إيضاحات عن مخالفة أو خطأ ارتكبته جهة حكومية من خلال إرسال خطاب مسجل لرئيس الدائرة، وله أن يطلب مقاضاة الجهة إن لم تجبه خلال أسبوعين من تاريخ تسلم الخطاب. هل نحن قريبون من هذا؟ لنذهب إلى شوارع الرياض ونكتشف.
عندما قرر رجال الهيئة أن يطاردوا مواطناً بشكل خطير، ويتجاوزوا كل قوانين المرور، وأخلاقيات العمل الحكومي، ومبادئ الدعوة للمعروف ''بالمعروف''، فهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم. لا أعتقد أن هناك أي مسؤول مهما كان موقعه يرضى بأن تتحول شوارع المدينة إلى حلبات سباق. ويُعرَّض أمن المواطنين للخطر، وتهان الدولة وأنظمتها بهذا الشكل السيئ.
ليست هذه الهيئة ولا هو موقفها بالتأكيد، الموقف ما هو إلا استغلال من موظف حاقد لحقه في الوعظ والتوجيه إلى تقمص كل شخصيات العمل العام ومنها الأمني الذي يجب ألا يمتهن بهذا الشكل. تصرف جبان لأنه استغل هيبة الدولة في الإضرار، بل قتل مواطن لا ذنب له سوى أنه سلك سلوكاً قد يعاقب أو لا يعاقب عليه القانون.
يعيدنا هذا إلى مفاهيم الرؤية والرسالة والقيم التي تحكم كل منشأة. ويعيدنا إلى أهمية أن تتأكد كل جهة أن هذه المعطيات تضع المواطن في أولوية اهتمامها وتذكر العاملين بأنهم عمال لدى المواطن وليس العكس، لا بد أن تعاقب المخالفات البسيطة، حتى لا نضطر لحمل الجثث التي ينتجها عدم فهم المسؤولية والاستغلال المخل للقانون من قبل الموظف العام.
كما يدفعني للمطالبة بمنع أي جهاز من المطاردة ولنغلق الكثير من الملفات المؤلمة، وليكتف الموظف بالإبلاغ عن معلومات المخالف ونوع المخالفة للجهات ذات العلاقة، وليقم كلٌ بدوره.