ما بال أوباما؟

اللهم إنا نشكو إليك ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس. أمة فقدت كل شيء، فقدت الكرامة والاحترام والقيمة الإنسانية. تآمر عليها من وثقت بهم، وقتلها من توقعت أن يحميهم، وأهانها أبناؤها قبل من تعاديهم.
لم تكد الأمة تتخلص من ذل المستعمر حتى وقعت تحت بطش أبناء جلدتها. تمرغت جباه أبنائها في وحل الأحزاب ونوائب الخطاب الكذاب، وادعاءات سياسيين هم أقرب إلى فصائل الكلاب. سلبوا الناس كرامتهم وأفقدوهم انتماءهم وسرقوا البلاد، وبقي العالم العربي في ذيل قائمة العالم، بما يميزه من الفقر والبطالة والجهل والمرض. نهضت كل أمم الدنيا من تحت الصفر لتصبح كوريا والصين وماليزيا والبرازيل والهند سادة مصائرها، ويظل شاعرنا المفوه يصرخ بعز الحاكم، وسطوة الحزب الظالم. حتى أصبحنا ظاهرة صوتية، لا فعل لها ولا حاضر ولا مستقبل.
بقي الإنسان يهان حتى ملَّ من بطش السجان. كان يعيش بما بقي من حضارة تركها بعض المستعمرين هنا وهناك، في شوارع أو جامعات أو مستشفيات. حتى إذا انتهى أجل منجزات المستعمر الذي كنا نراه أكبر أعداء الأمة ودافعها نحو التخلف، إذا بنا نكتشف أن العدو الأكبر هو أبناء الأمة الذين رفعهم البسطاء على أكتافهم، وتحملوا من أجل بقائهم الحرب والمقاطعة الاقتصادية والمقاطعة الدولية.
لم يعد هناك ما يستحق السكوت، فالحياة تخلو من أي شيء يستحق الصبر. يدرس الأبناء في مدارس تزرع فيهم الجهل والتخلف، فإن مرض أحدهم دخل مبنى مهدم تسكنه الصراصير ليصاب بعدوى مرض أخطر. حطام الدنيا يتكون من وجبة يتجرعها المسكين لأن البديل هو الجوع، وثياب عفّى الدهر عليها قد تستر أو لا تستر كل الجسد. المنجز الوحيد موجود في المراقص والغناء الذي يشجعه الحكام ليكون أفيوناً يدوخ به الناس.
ثارت الأمة، لكنها تأخرت لا ريب. بحثت عن العون لدى القريب، فكان القريب معيناً لصديقه الذئب، فهما يعيشان على الوجبة نفسها، إنما في منطقة جغرافية مختلفة. لم يعد أمام الناس سوى البحث عن النجدة عند الغريب. فوضع الغريب شروطه، وأرسى سفنه بالقرب من الشاطئ، وأرسل عيونه ليبحث داخل البلاد عن ''صيدة'' هو الآخر. انكشف الشعب، واكتشف الحاكم الظالم أن الغريب يؤمن بالفكر نفسه، هما متفقان على السلخ ويختلفان في طريقة ذبح ذات النفس.
لجأ المجرم للقتل بالسلاح، ثم بالبراميل، ثم بالقاذفات، ثم وجد أن السكين لا تكلف شيئاً وتمكنه من قتل نفسين في الوقت عينه، فبقر بطون الأمهات. والغريب يتفرج، ويحذر. اقتل ما شئت لكن لا كيماوي، وكأنه يقول للظالم: لماذا لم تستخدم الكيماوي يا غبي؟ بعد أن ملَّ الظالم من كل أنواع القتل والعالم يتفرج، خطر بباله أن يستخدم ذلك الكيماوي ليعبر الخط الأحمر، ويشاهد بعينه ما سيفعل الغريب.
اكتشف الغريب أن هناك ديمقراطية لا بد أن يتبعها عندما استخدم الظالم الكيماوي. فبعد أن أزعج آذان الناس بالانتقام رجع يتتأتأ في عبارته ويصرح بما لا يمكن فهمه. الأول ذهب إلى مجلس عمومه ليقول أريد أن أذهب للحرب في سورية، رغم أنها لا تهمنا، وكل من فيها عدو لنا، لكنه موقف أخلاقي يجب أن أتخذه. رد عليه برلمانه ألا تحرك ساكناً، ودعهم يقتلون بعضهم، فنحن لم نفعل شيئاً عندما ضرب الألمان لندن، فلماذا نفعل ذلك اليوم. دع أوباما يبرز عضلاته هناك.
جاء الدور على أوباما. أوباما الذي قال لن أدخل في أي صراع مسلح في أي مكان من العالم. أوباما الذي قال: همي الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد، لن أبرح مكاني حتى لا أفقد أموال أمريكا في حروب لا تنتهي. زلة لسان أوباما أوردته الحرج. أراه تمنى ألف مرة أنه لم يذكر الخط الأحمر أو الأزرق أو الأسود. أصبح على أوباما أن يتصرف ليحفظ ماء وجه أمريكا التي يمثلها كلامه. هو من الحمائم بل قد يكون أردأ من الحمائم، ذلك أن الحمائم طالبوا بعمل جراحي سريع. صرح تصريحاً أقرب للأحجية. ستكون الضربة سريعة ومؤثرة وتحل كل المشكلة. لا أستطيع أن أحدد الموعد قد يكون بعد ساعة أو اليوم أو غداً أو بعد شهر أو شهرين. ثم استثنى وقال عندما يعود المجلس للانعقاد لكنه لم يقل إن الكونجرس لن يعود قبل نهاية الشهر، وقد يرفض إعطاءه الصلاحية لاتخاذ عمل عسكري، وهو ما يتمناه الرجل بعد أن حققه صديقه البريطاني.
لا ألوم القوم على عدم تدخلهم في قضيتنا، لكني ألوم نفسي وألوم كل من صفق لهؤلاء المجرمين حتى بلغوا درجة عشق الدم وحرق الأجسام واستخدام الغازات السامة ضد مواطنيهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي