ماذا نفعل مع هؤلاء المتهورين؟
فوجئت بابني يحدثني عن حادث ارتكبه في أحد الطرق الضيقة التي تمتد في كل مكان. كان الحادث بسيطاً ونتيجته أضرار مادية، لكنه جعلني أستعيد هذه الإجازة التي كانت أكثر الإجازات دموية في حوادث السيارات التي اطلعت عليها شخصياً. حادث وقع لمجموعة من الشباب راح ضحيته شاب وفتاة وثالث في العناية المركزة، وآخران لا يزالان في المستشفى منذ أكثر من شهر. آخر وقع بسبب السرعة الجنونية احتكت فيه سيارة صغيرة بشاحنة صغيرة تسبب في تحطم السيارة ووفاة اثنين ممن كانوا فيها، وحال الثالث ليست بأفضل من الميت.
كنت قد اتخذت سياسة الهروب من الحوادث بالابتعاد عن السرعة فإذا بي أفاجأ بواحد من أكثر السائقين حرصاً يحدثني عن شاب تجاوز إشارة مرورية ليجد السيارات قادمة من الشارع الأيسر. هرب الشاب من السيارات القادمة ليصطدم بمحدثي ويقذف به لمسافة تزيد على 15 مترا في الشارع، وقد نجا بأعجوبة من هذه الحادثة.
أسير في الشوارع فيفاجئني من يأتون من الخلف وهم مصممون على أنهم يملكون صكاً على الشارع، وأن كل من يعارضهم سيتلقى كل عبارات الشتم وتطلق من خلفه الأبواق والفلاشات من أضواء ''الزينون'' التي تفقد السائق الرؤية ما دامت مشعلة. ولا أدري ما هو سبب سماح الجهات التنظيمية وهيئة المواصفات بدخول هذه النوعية ذات الضرر الواضح والاستخدام غير المقنن.
يقول صديق قديم جديد إن الشعب السعودي لا يعرف قيمة الوقت إلا عندما يركب السيارة، فهو يكتشف أنه تأخر عن العمل مثل حال الكثير من الشباب الذين يقودون بسرعات تتجاوز 160 كيلو مترا في الساعة، وهو ما سبب حادثا مروريا لأبناء أختي، الذين سلمهم الله بعد أن تجاوز شخص إشارة المرور بحجة أنه متأخر عن دوامه الذي يقع على بعد 200 كيلو متر.
الغريب في هذه الحادثة أنها جمعت مخالفة السرعة الجنونية التي سببت تحطيم سيارة الشاب بشكل يجعلها بحاجة إلى ما لا يقل عن شهر من الإصلاح، أي أنه سيتأخر فعلاً عن عمله. ثم المخالفة الأعظم التي أفتى فيها شيخنا عبد الله بن عبد العزيز آل الشيخ بأن من يقتل إنساناً بسببها فهو يعتبر قتلا عمدا، وهي مخالفة قطع الإشارة.
نأتي إلى الأسباب المؤدية لهذه الحوادث الدامية واستمرارها. بعد إيماننا بالقضاء والقدر، لا بد أن نعلم أن الله وضع قوانين في الكون لا بد أن نعلمها ونؤمن بها كإيماننا بالقضاء والقدر، وهي الأسباب. بغض النظر عن حالة الطرق، هناك أسباب كثيرة لهذه الحوادث لكنها يمكن أن تقع ضمن ثلاث فئات مهمة هي المشرع ومنفذ القانون ومخالف القانون.
لا بد أن يعي المشرع أن الوضع القائم خاطئ، والحوادث هي أكبر أسباب الوفاة في هذه البلاد. فخطرها أكبر من الأمراض والمخدرات حتى التقدم في السن. يلاحظ الجميع أن ما يزيد على 90 في المائة من الحوادث التي تقع في مدننا هي من فئة الشباب الذين حصلوا على السيارات دون تعب أو تكاليف، أو من السائقين الذين يطلقون في الشوارع دون التأكد من فهمهم وتمكنهم من القيادة بالشكل الصحيح.
يجب أن يمنع الشباب الذين لم يكملوا 22 سنة من القيادة في الطرق، ولو لفترة عشر سنوات نجرب فيها ما يمكن أن نحميه من الأرواح. قد يرى البعض هذا أمراً غير قابل للتطبيق وأنه صارم أكثر من اللازم، لكن الأرواح ومستقبل الأمة أهم من ذلك كله. فماذا نفعل مع المخالفين؟ السجن والتوقيف والغرامات المشددة التي تدفع بأولياء أمورهم إلى العناية ببيوتهم والالتفات لأسرهم وأبنائهم. كما يجب إيقاع عقوبات واضحة لمن يسمح لسائقه بالقيادة قبل الحصول على رخصة القيادة من خلال التوقيف والغرامات، يمكن أن يطبق القرار على جميع السيارات التي تحمل اللافتة المخيفة ''السائق تحت التدريب''.
منفذ القوانين هو رجل المرور والأمن بشكل عام، هؤلاء عليهم مسؤولية كبيرة في ضمان عدم انتشار الحوادث. ويجب أن يراعوا الله في الأمانة الملقاة على عواتقهم بأن يسجلوا الأخطاء على المخطئين ويطبقوا القوانين عليهم وألا يتوسطوا بين أطراف الحوادث لأن ذلك يؤدي إلى العفو عن أشخاص من حقهم العقاب. كما أن كل مسؤولي الأمن يجب ألا يتنازلوا عن الحق العام في كل ما يحدث في شوارعنا من مصائب.
المخالفون كثر، لكن المخالف الأكبر هو الأب أو الأم اللذان يعطيان السيارات لمن هم أقل من السن القانونية. مسؤولون هم عن مخالفات أبنائهم، وما يقع منهم من أخطاء. يجب أن يراقب الأب أبناءه ويتأكد من أنهم يقودون بأمان، وهو ما لا يفعله غالبيتنا. لهؤلاء لا بد أن ينتشر استخدام وسائل الحماية من كاميرات ساهر والدوريات والمرور السري. المخالف الذي يتعمد إخافة الناس أو تجاوز القانون بالسرعة وقطع الإشارة لا بد أن يعود إلى نفسه ويعتبر من أقاربه وزملائه الذين قضوا بسبب هذه الأعمال التي لا يمكن اعتبارها إلا جرائم في حق الوطن ومستقبل أبنائه.