لماذا لا تكون إمامة المساجد وظيفة رسمية؟
إمامة المساجد لا شك أنها من أعمال القُرب التي اهتم بها الإسلام، فمعظم كتب الفقه في مختلف المذاهب الفقهية تجد فيها لأحكام الإمامة جزءا مخصصا، فهي وظيفة عظيمة اكتسبت أهميتها من الدور الموكل للإمام، كونه قدوة يأتم به المأمومون في عمل هو الركن الثاني من أركان الإسلام، ليكون أيضا قدوة في تعامله وأخلاقة، ولذلك اختص النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الوظيفة، إضافة إلى الوظائف التي شغلها في حياته بين أصحابه من الولاية والقضاء والقيادة، إضافة إلى التعليم والدعوة والإفتاء.
وإمامة المسجد اليوم بمفهومها الشامل لها أهمية كبيرة في ظل كثير من المتغيرات والمؤثرات في حياة المجتمع، حيث أصبح المجتمع اليوم قلقا من هذا التنوع الكبير في وسائل التأثير، إضافة إلى نوع الأثر الذي يتعلق بأمور كالقيم والمبادئ والأخلاق والأفكار، حيث أصبح الهاتف المحمول يوصل كل ما يمكن أن تتخيله إلى حامله من خلال كثير من مواقع التواصل الاجتماعي التي تجد أن الشخص يرتبط بها بصورة وثيقة.
في هذه الحالة قد يكون من الصعب ومن غير الحكمة منع الجيل من الاستفادة من هذه التقنية، ولكن من المهم وجود مصادر متنوعة لتوجيه الأبناء للحد من تأثير هذه الوسائل عليهم بصورة سلبية، وإحدى هذه الوسائل التي تعتبر شبه مغيبة هي أمام المسجد القدوة بالمفهوم الشامل، الذي يلتقي به أفراد أبناء الحي خمس مرات يوميا.
معظم المساجد يعين فيها أئمة هم في الغالب موظفون لدى جهات أخرى، وتقدم لهم وزارة الشؤون الإسلامية مكافأة شهرية مقابل التزامهم بالإمامة، مما يعني أن الإمام قطعا لن يتمكن من الالتزام بجميع الصلوات في المسجد غالبا، بما أنه ملتزم بفترات العمل التي لا يتمكن خلالها من الإمامة لوقت صلاة الظهر، وفي بعض الأحيان قد تشمل صلاة العصر، وبعد يوم من العمل من الصعب أن يؤدي دورا متكاملا في المسجد، بل إن هناك بعض الأئمة قد يضطر إلى توكيل شخص بالإمامة لوجود التزامات لديه في العمل أو الأسرة وغير ذلك، كما أن التزامه بعمل آخر في أثناء النهار يضعف التواصل فيما بينه وبين الوزارة التي تشرف على المساجد.
في خبر بصحيفة ''الوطن'' بعنوان ''الإسلامية تستنجد بهيئة كبار العلماء لسد عجز الأئمة''، حيث جاء في الخبر ''لجأت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إلى هيئة كبار العلماء بغرض إصدار فتوى تجيز تخصيص وظائف رسمية مستقلة للأئمة والمؤذنين، يكونون بموجبها متفرغين لأداء مهامهم في المساجد، دون أن يرتبطوا بوظيفة أخرى، وذلك بعد أن تباينت آراء علماء الدين بين مؤيد ومعارض يعتبر التفرغ لهذه الوظائف طمعا في المال دون احتساب الأجر من العمل في بيوت الله. وأوضح مصدر مطلع في الوزارة أن وزارته عمدت إلى هذه الخطوة بعد فشلها في سد العجز في الأئمة والمؤذنين بالمساجد، إلى جانب تكليف بعضهم لآخرين من الأجانب لتأدية الصلاة في المساجد''.
لا شك أن الإفتاء مسؤولية وكفاءة، وهيئة كبار العلماء بالمملكة هي المرجع الرسمي والكفء لمثل هذه القضايا التي تتعلق بعموم المجتمع، ومثل هذه القضية في هذه المرحلة التي نشهدها اليوم ينبغي أن تكون محل عناية منهم، ولعل الإشكال في هذه المسألة ويشابهها مجموعة من الوظائف، أن إمامة المسجد من أعمال القُرب التي يفترض أن يعمل بها الشخص بهدف الأجر والثواب الأخروي، وليس من أجل العائد الدنيوي، ولكن يوجد وظائف اليوم مشابهة لذلك مثل التعليم والقضاء والإفتاء والدعوة، وهي من أعمال القرب، ولكنها اليوم وظائف رسمية، وذلك بغرض تمكين بعض العلماء والدعاة من التركيز والتفرغ لعملهم، وهذه الوظائف لا تختلف كثيرا عن إمامة المساجد، خصوصا أن الحاجة قائمة والعجز موجود كما في الخبر، إضافة إلى وجود تقصير بسبب الانشغال في بعض المساجد التي يوجد بها أئمة حاليا، كما أن كثيرا من المساجد القائمة يقدم لإمام المسجد فيها منزل قد يزيد إيجاره عادة على 50 ألفا، إضافة إلى مكافأة شهرية، فواقع الحال أن هناك مقابلا لهذا العمل، ولكن بدلا من أن يكون بصورة وظيفة رسمية، نجد أنها مكافأة تلتزم بها الوزارة للأئمة.
كما أنه يوجد مجموعة من خريجي الجامعات من تخصصات شرعية وإسلامية لا يجدون وظائف، مع وجود إمكانات لديهم من حفظ القرآن والعلم الشرعي الذي اكتسبوه في جامعات متميزة بالمملكة، ولعل من فوائد مثل هذه الخطوة أن يكون هناك تنظيم أكبر في مثل هذه الوظائف من جهة الإعلان عنها ومقابلة المتقدمين والإشراف عليها من قبل الجهة الرسمية، إضافة إلى تعزيز دور المسجد التربوي العظيم في المجتمع.
الخلاصة أن مسالة تحويل إمامة المسجد إلى وظيفة رسمية تحتاج إلى اهتمام من قبل هيئة كبار العلماء ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف للاطلاع على الواقع والاحتياج، خصوصا أن كثيرا من الوظائف مثل التعليم والقضاء والإفتاء والدعوة مشابهة لها وهي اليوم وظائف رسمية.