الولاء لله ثم للملك والوطن
كلمة ضافية لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين جاءت في مطلع شهر رمضان المبارك لتبارك للأمتين العربية والإسلامية دخول شهر الصوم والقرآن والرحمة والغفران ولتذكِّر بالقيم الإسلامية العظيمة التي قامت عليها وحدة المسلمين منذ مبعث خير الأنام محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - الذي ما ترك خيرا إلا دلنا عليه ولا شرا إلا نهانا عنه وحذرنا منه، ولأن ما يجري من أحداث مؤسفة في دول عربية شقيقة كان ولا يزال مثار قلق في أمتنا الإسلامية خوفا من تداعيات الأحداث وتسلسل الكوارث وانحدار الأوضاع الأمنية، فإن النصيحة واجبة وتقديم العون والمساعدة أوجب، خصوصا في مثل هذه الظروف العصيبة.
لقد كانت وحدة النسيج الاجتماعي أهم عنصر لاستمرار وضمان قوة الدول، وهي اليوم تتعرض للتفتت في دول عربية شاهدناها وشاهدنا ويلاتها وما أدت إليه من انقسامات خطيرة، وما سبب ذلك إلا تنوع الانتماءات واختلاف الولاءات وتعدد الرايات وانعدام وحدة الفكر والفكرة وتقديم المصالح الخاصة على المصلحة العامة، وأهم من ذلك كله هذا التحزب البغيض لكيانات سياسية مرجعها أشخاص لا يرون سوى مصالحهم الوقتية وقد قعدت بهم الهمم عن النهوض بما تمليه حقوق الرعية وانكفأوا يبحثون عن مواقع في خريطة العمل السياسي، ولكلٍّ برنامجه وغايته، وقد فرح كل زعيم بمن حوله حتى تباعدت المسافات، وحال دون الفهم والتفاهم ما تخبئه كل فئة للأخرى.
هذا الوضع المؤسف جدا والخطير مهدد لوحدة الدول ولقدرتها على العمل الفاعل والبناء والتواصل مع شركائها في المصير حتى تدهورت العلاقات وباءت كل تلك البرامج بالفشل والخيبة رغم ما صحبها من دعاية كانت في بعض الأحيان دينية فلم تراع من متطلبات الوحدة الدينية شيئا، بل ضاقت الصدور عن تحمل الإخوة في الهوية الوطنية وامتد ذلك إلى سوء الفهم لما تمليه المرحلة من تعاون عربي يحفظ الود ويجمع الأمة العربية على دفع الخطر بعيدا عن سيادتها وقرارها الوطني، ومرجع ذلك كله إلى ذلك الاستقطاب الحزبي والتكتل تحت رايات تزيد من انقسام الأمة، بل تبني داخل كيانها قطيعة وعداء لا يمكن أن يقدم سوى الحروب الأهلية التي يغني ذكرها عن وصف ويلاتها وعواقبها.
لقد قامت وحدة بلاد الحرمين الشريفين على مفهوم واضح وجلي، فالجميع مواطنون وشركاء في خدمة الدولة ومؤسساتها ويدينون بالولاء للقيادة التي بايعوها على السمع والطاعة في المنشط والمكره وتجنب فضول الكلام، ما يفتح باب الجدال العقيم ويبعد طاقة الأمة عن العمل والإنجاز ويكرس المناظرات السقيمة التي تقتات عليها الأحزاب السياسية في عملها اليومي وبرامجها المعلنة والخفية، لذا سارت هذه البلاد وستبقى تتجنب كل ما يؤدي إلى الفرقة والاختلاف وتجنب كل ما يذكي العنصرية أو يؤدي إلى التنازع والانقسام، وهي فتن مقدماتها تأسيس الأحزاب والانضواء تحت رايتها.
إن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، وهذا من المعلوم لدى كل مسلم ومسلمة، لذا بادر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده - حفظهما الله ذخرا للإسلام والمسلمين - إلى التنبيه إلى أن الدولة لا تقبل ولن تقبل وجود تكتلات فئوية أو حزبية أو أيا كان اسمها، فالوحدة الوطنية ليست مجالا للتجارب، وقد رأينا بأم أعيننا ما جرى وما يجري حاليا من أوضاع في دول مجاورة لا يمكن وصفها إلا بأنها مآسٍ وكوارث تهدد وحدة البلاد وأمن العباد، والعاقل من اتعظ بغيره، والخير كل الخير في الوقوف صفا واحدا وقلبا واحدا مع ولاة الأمر في مسيرتنا التي أثبتت أنها الأفضل والأكفأ والأكثر خيرا للبلاد والعباد.