الصندوق السيادي .. هل يرى النور؟ (1 من 2)
في المقال السابق ''الاحتياطيات الأجنبية.. أرقام قياسية لا يمكن تجاهلها''، كان الحديث على أن الموجودات الأجنبية الضخمة لدى مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' لها فوائد كبيرة في العمل على استقرار الاقتصاد الكلي، لكن هناك تكاليف وبعض المخاطر المرتبطة بإدارات هذه الموجودات. لتقليل هذه التكاليف، هل ''ساما'' تقوم بإدارة جزء من هذه الموجودات بأسلوب الصناديق السيادية؟ أم أنها تدير هذه الاحتياطيات كبنك مركزي؟ بعبارة أخرى، هل يمكن تصنيف ''ساما'' كصندوق سيادي؟ أم هناك حاجة إلى إنشاء جهاز مستقل لإدارة هذه الفوائض المالية الضخمة؟
من الأهداف الرئيسة لـ ''ساما'' منذ إنشائها عام 1952، العمل على استقرار سعر صرف الريال من خلال القيام بإدارة السياسة النقدية، وإدارة الاحتياطيات من النقد الأجنبي، هذا إضافة إلى الإشراف على القطاع المصرفي. وبسبب ارتفاع الإيرادات النفطية ارتفعت الاحتياطيات الأجنبية بشكل كبير. ففي نهاية عام 2012، بلغ إجمالي الموجودات الرسمية لـ ''ساما'' إلى نحو 2.46 تريليون ريال، أي أنها تغطي نحو 36 شهرا من قيمة إجمالي فاتورة الواردات. وهي أعلى بكثير من القاعدة المتعارف عليها بين الدول (في حدود ثلاثة أشهر)، حتى إذا أخذنا في الاعتبار أن وطننا يعتمد على مصدر وحيد للدخل ولدينا سعر صرف ثابت فإن مستوى الاحتياطيات إلى الواردات يعد رقما ضخماً مقارنة بالدول الأخرى.
في البداية، لا بد من إيضاح مفهومين عادة ما يتم الخلط بينهما عند الحديث عن الموجودات الأجنبية: (1) الاحتياطيات الأجنبية، وهدفها الدفاع عن استقرار العملة المحلية (الريال) وتلبية احتياجات ميزان المدفوعات (وبالأخص في حالة استيراد السلع والخدمات) والمحافظة على استقرار الإنفاق الحكومي في حالة انخفاض الإيرادات البترولية؛ (2) الأوعية الاستثمارية (أو عادة ما تسمى الصناديق السيادية)، وهي أداة استثمارية يتم من خلالها استثمار جزء من الفوائض النفطية للأجيال القادمة وكذلك رفع مستوى الرفاه الاقتصادي للمواطن على المدى البعيد. بالنسبة للاحتياطيات الأجنبية، عادة ما يتم استثمارها في أصول ذات سيولة عالية مثل السندات الحكومية ذات التصنيفات الائتمانية العالية (AAA أو AA) أو ودائع لدى البنوك الأجنبية بحيث يمكن الرجوع إليها وقت الحاجة. من جهة أخرى، يتم استثمار أصول الصناديق السيادية للأجيال القادمة في أصول استثمارية ذات العائد على المدى البعيد (مثل سندات الشركات والأسهم والعقار وغيرها).
لكن بسبب تركز أغلبية استثمارات الموجودات الأجنبية لـ ''ساما'' في أوراق مالية في الخارج (في حدود 70 في المائة من إجمالي أصول ساما)، هناك اعتقاد سائد من بعض المختصين هو أن أغلبية الموجودات المالية الضخمة مستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية. هذا اعتقاد أبعد ما يكون عن الواقع، لأنه من الصعب على القائمين على إدارة هذه الاحتياطيات إقناع الإدارة العليا لـ''ساما'' بأن الاستثمار في عملة واحدة وذات معدل فائدة منخفض ووضع كل البيض في سلة واحدة هو القرار الاستثماري الأمثل. بهذا يتضح أنه ليس من المعقول من ناحية استثمارية بحتة توقع أن ''ساما'' تستثمر أغلبية موجوداتها الأجنبية في أصول ذات سيولة عالية.
قد يقول البعض، إن لدينا شركة سنابل السعودية للاستثمار التي تم تأسيسها عام 2008 تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة ويمكن اعتبارها صندوقا سياديا، لكن يعد رأسمال الشركة البالغ 20 مليار ريال قطرة ماء في البحر مقارنة بالموجودات الأجنبية لـ ''ساما'' ( 2.5 تريليون ريال). الأمر الآخر ليس هناك أي بيانات عن الحجم أو التوزيع الجغرافي لاستثمارات شركة سنابل وكأن هذه المعلومات ليست ذات أهمية للمهتمين بالشأن العام لمعرفة فعالية السياسة الاستثمارية ومدى تناسقها مع أهداف الحكومة.
بناءً على ذلك، هناك العديد من المعاهد ومراكز البحث الدولية تصنف ''ساما'' كبنك مركزي وكذلك كصندوق سيادي. من وجهة نظر شخصية، أتفق إلى حد ما مع أحد الزملاء الاقتصاديين في حديث دار بيننا على أنه ليس من المهم تسمية ساما كبنك مركزي أو صندوق سيادي لأن هناك طرقا متعددة لتحقيق الأهداف نفسها there are many ways to skin a cat. المقال اللاحق سيتطرق إلى كيفية تحقيق هذه الأهداف من خلال إنشاء جهاز خاص تحت مظلة ''ساما''، بحيث يكون هناك خط فاصل واضح بين الاحتياطيات الأجنبية والأوعية الاستثمارية.