فلنساند شباب وشابات الأعمال
وصلتني ردود أفعال وآراء هادفة واقتراحات مفيدة للغاية على ما ورد من طرح في مقال سابق بعنوان: ''شباب الأعمال وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة''، نشر بتاريخ 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، عن جهود الدولة المرتبطة بدعم شريحة واعدة من شباب وشابات الأعمال.
أوضحت في المقال المذكور أن من بين تلك الجهود، تأسيس وزارة العمل لسبعة برامج رئيسة لتطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من بين نحو 36 مبادرة يحتاج إليها القطاع في المملكة، وفقا لدراسة مجموعة بوسطن الاستشارية، ليصبح لدى القطاع نظام اقتصادي متكامل، يمكنه من أن يسهم بفاعلية قصوى في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. من البرامج السبعة الرئيسة التي تعمل وزارة العمل على تأسيسها، البوابة الإلكترونية الموحدة، التي تهدف إلى توفير معلومات دقيقة وموثقة عن خدمات متعددة تهم أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مثل خيارات التمويل المتوافرة، والخدمات المرتبطة بمنح التراخيص وإلى غير ذلك من الخدمات الشاملة والموحدة التي تقدمها البوابة. من بين البرامج السبعة الرئيسة كذلك، إعادة هيكلة تمويل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير مجموعة من المصادر لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة للسعوديين، تمكنهم من الحصول على التمويل اللازم لمشاريعهم، وضمان سهولة الحصول على التمويل في أقصر وقت ممكن، عن طريق إيجاد شبكة أمان لأصحاب المشاريع من الحكومة في حالة الفشل.
ومن بين الجهود كذلك نشر ثقافة العمل الحر بين أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالذات بين فئة الشباب والشابات، بهدف ترسيخ مبادئ وأساسيات روح المبادرة باتباع وسائل تعليم مختلفة، تستهدف التعزيز من ثقافة التخطيط للمستقبل، بتطبيق نماذج عالمية في مجال ريادة الأعمال.
أغلب ردود الفعل التي وردتني من عدد من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبالذات التي تعود ملكيتها لشباب وشابات الأعمال، كانت إيجابية ومتفائلة ومثمنة جدا للجهود التي تبذلها الحكومة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لتنمو وتزدهر أعمالها بالشكل الذي ينعكس بقيمة مضافة للقطاع على الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني. ولكن وعلى الرغم من ردود الفعل الإيجابية، إلا أن بعضها عبر عن القلق عن مدى استيعاب الإدارات التنفيذية المختلفة بالأجهزة الحكومية بمعطيات وفرضيات تلك البرامج، وقدرتها على التنفيذ، حيث إن معظم رجال الأعمال في المملكة، وبالذات أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، يصدمون بالواقع العملي المرتبط بالتنفيذ، حيث إن معظم من يعملون بالأجهزة التنفيذية في الحكومة ذات العلاقة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ليس على قدر كاف من الكفاءة العلمية والعملية والمسؤولية، التي تؤهلهم لخدمة القطاع وفق ما تنشده الدولة. كما أن غياب وجود تعريف واضح ودقيق للقطاع المستهدف من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالذات قطاع شباب وشابات الأعمال، وعدم وجود استراتيجية ورؤية واضحة لتنمية القطاع، يضاعف من مشكلة نمو القطاع، ويحد من مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة.
للتغلب على المعوقات والصعوبات، التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالذات التي تعود ملكيتها لشباب وشابات الأعمال، وتحد من نموها ومساهمتها الفاعلة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، فإن الأمر يتطلب، وضع رؤية واستراتيجية واضحة المعالم والأبعاد، أو بمعنى أدق وأوضح وضع خريطة طريق لتنمية القطاع، تشترك في إعدادها الجهات الداعمة وذات العلاقة بتنمية القطاع، كالجهات الحكومية والغرف التجارية والصناعية في المملكة، والهيئات والمنظمات الدولية مثل مؤسسة التمويل الدولية IFC وغيرها، بحيث تتضمن الرؤية والاستراتيجية المستقبلية لتنمية القطاع، منظومة متكاملة من الحلول الشاملة لتنمية وتطوير القطاع، تتضمن برامج تعليم وتدريب وآليات للتمويل والتمكين بما في ذلك الحوافز.
بعض الاقتراحات التي وردتني، طالبت بسرعة إيجاد مرجعية موحدة لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكما هو واقع الحال بعدد من دول العالم المتقدم، كالولايات المتحدة الأمريكية SBI، واليابان، التي من بين مهامها العناية بتطوير القطاع، ولا سيما أن واقع الحال في المملكة يفرض الحاجة لتوحيد مرجعية القطاع، حيث إن هناك نحو 50 جهة مختلفة من القطاع الحكومي والقطاع الخاص تعنى بشؤون القطاع، ما سبب إرباكا للقطاع وحدوث ازدواجية في الإجراءات والقرارات.
ومن بين الحلول الداعمة أيضا لتنمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالذات التي تعود ملكيتها لشباب وشابات الأعمال، تخصيص نسبة ولتكن على سبيل المثال، في حدود 20 في المائة، من المشاريع والمناقصات الحكومية، وكذلك عقود المشتريات التي يتم ترسيتها على الشركات الكبيرة، الأمر الذي سيمكن المنشآت الصغيرة والمتوسطة من النمو والتطور واستعادة الثقة بالنفس وإثبات الذات والوجود. ومن بين الحلول الكفيلة أيضا بتنمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، القضاء على حالات التستر التجاري في المملكة، ولا سيما أنه يوجد في المملكة حاليا 790 ألف منشأة صغيرة ومتوسطة، وتشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من إجمالي عدد المنشآت نسبة 90 في المائة، ما يجعل القطاع مرتعا وبيئة خصبة ومتنفسا كبيرا للتستر التجاري.
خلاصة القول: إن المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالذات التي تعود ملكيتها لشباب وشابات الأعمال، بحاجة للدعم والمساندة والمؤازرة من قبل القطاعين العام والخاص على حد سواء، إضافة إلى توحيد الجهود الرامية لتنمية القطاع تحت مظلة تشريعية وتنظيمية واحدة، ما سيمكن القطاع من النمو والتطور والازدهار، الأمر الذي سيعزز من مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني.