الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد .. مطلوب تركيز الجهود
في حديث لمحمد بن عبد الله الشريف، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في برنامج المملكة هذا المساء، بثه التلفزيون السعودي (القناة الأولى) بتاريخ العاشر من تموز (يوليو) من العام الجاري، الذي كشف من خلاله أن السعودية كبقية دول العالم، تعاني أنواعا وأنماطا متعددة من الفساد المالي والإداري، ما تطلب إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد المالي والإداري بأشكاله المختلفة في المملكة.
وبغية الوصول إلى بيئة إجرائية وتنفيذية على مستوى الأجهزة الحكومية وكذلك أجهزة القطاع الخاص التي تتعامل مع الأجهزة الحكومية في المملكة خالية بقدر الإمكان من شتى أنواع الفساد المالي والإداري، أنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في المملكة، بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم أ/65 وتاريخ 13/4/1432، وذلك استشعاراً من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، من المسؤولية الملقاة على عاتقه في حماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه، على هَدي كريم من مقاصد الشريعة الإسلامية، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجيالها.
حددت الأهداف الرئيسة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، 1- حماية النزاهة. 2- تعزيز مبدأ الشفافية. 3- مكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأسبابه في السعودية. ولتحقيق تلك الأهداف، حدد للهيئة 21 اختصاصاً مهما، حيث تتمكن من خلالها ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها في تحقيق الأهداف المنوطة بها.
من بين أبرز اختصاصات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، وكذلك اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة. من بين أبرز اختصاصات الهيئة أيضاً، مراجعة أساليب العمل وإجراءاته في الجهات الحكومية المشمولة باختصاصات الهيئة، بهدف تحديد نقاط الضعف التي يمكن أن تؤدي إلى الفساد، والعمل على معالجتها بما يضمن تحقيق أهداف الهيئة وتنفيذ اختصاصاتها. وأخيراً من بين أبرز الاختصاصات، نشر الوعي بمفهوم الفساد وبيان أخطاره وآثاره وبأهمية حماية النزاهة وتعزيز الرقابة الذاتية وثقافة عدم التسامح مع الفساد، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على التعاون والإسهام في هذا الشأن.
على الرغم من حداثة نشأة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي لا تزال وليدة التكوين والتأسيس قياساً بعمر الزمن، حيث لم يمض على إنشائها سوى نحو عام وأربعة أشهر، إضافة إلى محدودية مواردها وكوادرها البشرية المؤهلة للكشف عن بؤر ومواطن الفساد في الأجهزة الحكومية ومعالجتها، إلا أنها تمكنت من أن تحدث حراكاً مجتمعياً غير مسبوق ولافتا للنظر في مجال محاربة الفساد والقضاء عليه في المملكة، حيث تقريباً لم تترك قطاعا أو جهازا حكوميا إلا توجهت إليه للكشف عن قضية ما لها علاقة بالفساد، وبالذات على مستوى القطاعات التي تقدم خدمات عامة لها مساس مباشر بحياة أفراد المجتمع اليومية مثل خدمات الصحة والتعليم وإلى غير ذلك من الخدمات.
رغم تلك الجهود المشكورة للهيئة، إلا أن بعض المتابعين والمراقبين لتلك الجهود، يعتقدون أن الهيئة تشعبت في جهودها بشكل كبير، وبالذات في الجهود المرتبطة بالكشف عن قضايا الفساد المالي والإداري في المملكة في ظل محدودية الموارد البشرية المتوافرة لديها، حيث لا يتجاوز أعداد العاملين لديها 220 موظفاً، من بينهم عدد محدود جداً يختص بالكشف عن قضايا الفساد في الأجهزة الحكومية والتحقق من صحتها، ووضع الحلول المناسبة للقضاء عليها.
كما أن الهيئة بدأت تتشعب أيضاً في تحديد أنواع وأشكال الفساد وفي متابعتها، ما قد يفقدها التركيز في المستقبل على متابعة أنواع فساد أخرى لربما أكثر أهمية وإلحاحا وإضراراً بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، حيث على سبيل المثال لا الحصر، بدأت تركز الهيئة في رسائلها التوعوية بأنماط الفساد على مدح المسؤول بغير ما فيه، أو المبالغة في الثناء على إنجازاته، واعتبرته ذلك أنه نوع من أنواع الفساد، لما يترتب عليه من غرور المسؤول وصرفه عن رؤية الأمور على حقيقتها، ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد يعتبرها البعض أنها نوع من أنواع النفاق الاجتماعي الذي قد لا يصل إلى درجة الفساد، وحتى وإن كان الأمر كذلك فهناك أولويات لتحديد أنواع الفساد ومكافحته.
للتغلب على مشكلة تشتت جهود الهيئة، لا بد من أن تضع الهيئة لنفسها خطة تشغيلية سنوية Operating Plan، يُحدد من خلالها أولويات معالجة قضايا الفساد بالأجهزة الحكومية، حيث إن الكشف عن الفساد ومعالجته في ظل غياب وجود مثل هذه الخطة، سيتسبب آجلاً أم عاجلاً في تتشتت جهود الهيئة إلى الدرجة التي لن تتمكن الهيئة من تحقيق أهدافها المنشودة منها بالشكل المطلوب، كما لا بد أن تضع الهيئة لنفسها معايير للقياس Key Performance Indictors، حيث يمكن بموجبها قياس المنجز ومقارنته بمؤشرات عالمية، للتأكد من سلامة الخطط المتبعة في مكافحة الفساد والقضاء عليه في المملكة.
أخيراً وليس آخرا لا بد من التركيز في المرحلة المقبلة على اجتثاث وتجفيف منابع الفساد في الأجهزة الحكومية بدلا من محاربته ومكافحته، ولا سيما أن من بين أحد أهم اختصاصات الهيئة، مراجعة أساليب العمل وإجراءاته في الجهات الحكومية المشمولة باختصاصات الهيئة، بهدف تحديد نقاط الضعف التي يمكن أن تؤدي إلى الفساد، والعمل على معالجتها، ويا حبذا أن تحذو الهيئة حذو وزارة الداخلية في قضائها على الإرهاب في بلادنا من خلال اجتثاث جذوره وتجفيف منابعه، وليس فقط محاربته والقبض على الإرهابيين ومعاقبتهم.