الليموزين الرث.. من المسؤول عنه؟!

تحرص الدول على اكتساب مظاهر حضارية أنيقة نظيفة لخدماتها ومرافقها.. ونحن في المملكة استطعنا إنجاز شبكة من الطرق الحديثة والشوارع المميزة والصروح وطرز العمارة الجميلة في الشوارع العامة والأحياء، فضلاً عن الحدائق والتشجير على جوانب الطرق.. وكل ذلك يمنح بلادنا صورة جمالية لمظهر حضاري ينم عن تنمية بلدية تقف مع مثيلاتها من بلدان العالم المتمدن.
غير أن شوارعنا تكتظ بسيارات الليموزين بآلاف الأعداد وبعشرات الشركات (بعضها مجرد دكاكين) يتولى قيادتها وافدون من مختلف الجنسيات، إلى جانب سعوديين اختاروا هذه المهنة.. لكن من اللافت للانتباه أن سيارات الليموزين من حيث المظهر والنظافة والرائحة تعكس مستوى متدنياً من الاهتمام، فهي من الخارج فوق كونها متسخة فإنها مصابة بالكدمات وبعضها يعاني القدم والاستهلاك، حيث لا تصلح إلا لساحات التشليح، أما حين يأتي الحديث عن داخل الليموزين، فلا يكاد الأمر يصدق في كثير منها، حيث القذارة والمقاعد الممزقة وبقايا ومخلفات من الأكل والقمامة تعيث فوضاها وينتشر نتنها في أجواء المركبة.. وإذا التفت إلى السائق فحدّث ولا حرج، فاللباس كما لو كان لعامل في ورشة أو مشحمة وتكاد تجزم بأنه لم يمس الماء جسده لأيام لشناعة الرائحة ومقدار الوسخ العالق في الشعر والوجه والسالفين والأيدي والأرجل على نحو لا يمكن معه أن تتمالك نفسك من إبعاد النظر عنه.
إذاً فنحن أمام تشويه متنقل وأذى رحال يطوف البلاد عرضاً وطولا.. وهذا لا يقف تأثيره في المظهر الخارجي لليموزين وشناعة الرؤية البصرية لحركة المرور في شوارعنا وأحيائنا، وإنما يتعداه إلى إعطاء صورة غير لائقة ليس عنا نحن كمواطنين، وإنما البلد نفسه، فهذه الحال تعطي صورة مقززة لجموع القادمين من مختلف بلدان العالم، خصوصاً أن الليموزين هو أول ما يستقبل القادم إلينا الذي غالباً ما يكون قد حمل في ذهنه سمعة طيبة وصورة زاهية، لكنه سرعان ما يصطدم بما هو عكس ذلك تماماً من سيارة الليموزين نفسها في خارجها وداخلها إلى قائد المركبة، ناهيك عن معركة اقتناص الراكب الذي يتوسمون فيه غنيمة في مقدار الأجرة!!
ولسنا نعرف مَن المسؤول عن هذه القضية.. هل هي وزارة النقل التي تمنح التراخيص لشركات الليموزين أم جهة أخرى؟ لكن هذا يطرح مشكلة الليموزين الرث للبحث عن وسيلة لعلاجها سواء تولتها وزارة النقل، أو أن يتم إسناد المهمة لشركة وطنية، أو تنظيم واضح يضع الضوابط على شكل ونوع وجودة خدمة الليموزين، حيث يتم الإصرار على لباس محدد لسائقي الليموزين (يونيفورم)، ويشترط بقاء هذا السائق في مظهر نظيف ولائق وأن يتم التأكيد على السائقين بالتزام النظافة، أما سيارات الليموزين فلا بد أن تخضع لرقابة صارمة لا يكفى معها الاكتفاء بكونها تستطيع السير كيفما اتفق في الطرقات، وإنما أن تتوافر فيها مواصفات السلامة والنظافة والرائحة الجيدة خصوصاً، وهناك وقت يفترض أن يكون نزهة وجيزة يقضيها الراكب داخل هذه المركبة، ومع هذا السائق لا يمكن أن يترك فيه الواحد مخنوقاً بفضلات الطعام وغيرها من المخلفات وبرائحة نتنة مقززة تنبعث من الداخل تضيف إليها رائحة وعدم نظافة السائق كرباً إلى كرب.
وإذا نحن تجاوزنا مظهر الليموزين والحالة المزرية في هندام السائق ونظافته، فسنجد أنفسنا أمام معضلة تدني تأهيل السائق نفسه فهو من ناحية مستهتر بالنظام، غير مالك للشروط المتعارف عليها عالمياً لحيازة رخصة قيادة ليموزين، فهو قد يكون مرافقاً أو راعي ماشية أو عامل دهان أو ما شئتم من المهن، إن كان يجيد إحداها، ولكنه فجأة قفز خلف مقود الليموزين في فوضى الاهتمام بهذه الخدمة وتراخي الأنظمة والضوابط حولها، فمن يذهب لبلدان العالم يعرف الشروط المشددة على الليموزين وقيادتها، بل إن جوارنا الخليجي في دبي والبحرين مثلاً يخضع فيها السائق لفحص معقد لنيل رخصة الليموزين ويؤخذ عليه اشتراطات نظامية تتعلق بالسلامة والنظافة والمصداقية.. فلماذا ليموزيناتنا شائهة إلى حد بائس؟ ومن المسؤول؟
ترى.. هل يمكن لوزارة النقل أن تعي أبعاد هذه المشكلة المزرية؟ وهل إذا كان الأمر لا يتعلق بها، سنرى العمل على تحديد جهة أو آلية معينة للتعامل مع هذه القضية؟ ذلك أن ترك هذه الحالة الرثة لليموزين السعودي لا يكرس فقط انطباعاً سيئاً عن بلادنا، بل يشيع اللامبالاة ويجعلها تستمر وتتفاقم في أذيتها على نحو قد يتجاوز سيارات الليموزين إلى السيارات الخاصة.. فالسلبية تعدي مثلما تعدي الإيجابية.. وبالتأكيد أننا نراهن على أن الجميع تواقون لما هو جميل ونظيف وطيب الرائحة ويحاط بنظام صارم للمصداقية والأمن وحُسن التعامل، فهل من سبيل إلى ليموزين بهذه المواصفات؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي