الهيئات.. ترهلٌ إداري أم ضرورة؟!

يبدو أننا في السنوات الأخيرة عثرنا على إكسير سحري لمشاكلنا الإدارية اسمه (هيئة)؛ فكلما تعقدت مهام جهاز من الأجهزة وعجز عن أدائها فزعنا إلى إنشاء هيئة تُعنى بشؤونه، مع أن بعض الهيئات قديم جداً جاء مع فجر وحدة الوطن مثل (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ثم لحقت بها هيئات أبرزها (الهيئة الملكية للجبيل وينبع) إلا أن الشهية انفتحت لمزيد منها؛ فكانت هيئة الاستثمار وهيئة السياحة ثم هيئة الاتصالات.. وكرت السبحة وما زلنا حين يثور السجال ويتعدّد حول قطاع من القطاعات نلجأ إلى الاستنجاد بضرورة إنشاء هيئة جديدة؛ لعل آخرها هيئة الإسكان وهيئة مكافحة الفساد "والغرغرة" باقتراح هيئة للإشراف على المشاريع الحكومية وأخرى لحماية المستهلك. والسؤال الذي لا بد منه هنا: هل استحداث الهيئات ترهلٌ إداري أم ضرورة؟
إذا كانت الوزارات هي المظلات الكبرى والشمولية لقطاعات التنمية، وأن ما تواجهه تنميتنا إدارياً وتشريعياً وتنفيذياً هو من اختصاصها بالأساس، فذاك يعني أن مهام الوزارات باتت تجابه أوضاعاً جديدة، سواء في حجم العمل أو نوعه أو متطلباته مما لم يعد بوسعها تلبيته على النحو الذي كان في السابق.. ولعل هذا الوضع هو ما أفرز الرغبة في التوجّه إلى استحداث هيئة هنا أو هناك تتولى ما لم يعد بإمكان الوزارات القيام به من مهام، فضلاً عن أن تطور سياق التنمية فرض هيئات لم يكن نشاطها في السابق متبلوراً ولا مستهدفاً على النحو الراهن.
وهنا يكون إنشاء الهيئات ضرورة استدعتها طبيعة المرحلة والنقلة النوعية والكمية في أهداف التنمية وسياساتها، حيث تحتم معها تجميع الاختصاص في حيز إداري قانوني رسمي واحد كمرجعية لهذا النشاط أو ذاك.. غير أن هذا التبرير الموضوعي يحتاج إلى الفحص والتشخيص وإذا ما كانت الهيئات قد أسهمت فعلاً في دفع قوة العمل وجودته وأدت إلى سرعة وكفاءة إنجازه أم لحقت بها أعراض البيروقراطية وأصابها تخثر الروتين؟ وباتت "ترهلاً" في الجهاز الإداري ليس إلا؟!
لا جدال في أن الهيئات من الناحية التوظيفية البحتة مكّنت من استيعاب قوى عاملة وطنية، لكن هذه النظرة الإيجابية قد لا يبقى منها الكثير، سوى مصدر الرزق، خصوصاً حين لا تبرهن الهيئات على جدوى عملية أثبتت فيها أنها أصبحت حقا آليات محفزة خلافة، مبادرة تصعد بدورها إلى ضخ الحيوية في عصب التنمية وعروقها.. وللتحقق من ذلك ليس أمامنا سوى التعرُّف على نوعية مخرجاتها بالدرجة الأولى بمراقبة يقظة من قبل مجلس الشورى لمتابعة أداء هذه الهيئات لأن إنشاءها جاء بالأساس بمنزلة التطوير الإداري للتنمية، الذي كان مقوداً من قبل بالوزارات، وإذا لم يكن عملها صاعداً في هذا الاتجاه فلن يمثل وجودها إلا ما تمثله العقدة أمام المنشار، خصوصاً وثمة تجارب لهيئات ما زال نشاطها "ويلي عليك ويلي منك!!" فهذه "هيئة الاتصالات" لم تحرك ساكناً عن فوترة ادفع وطالب وعلعلة الـ (دى. سي. إل) وتغيُّر أو تقطُّع الاتصال أوقات الذروة، وأحياناً غيرها، وغزو خصوصية الجوّال بسيل الدعايات، وهذه "هيئة الإسكان" وإنجاز "الشق أوسع من الرقعة" وحالنا مع سوقنا متخم بكل المخالف لدور "هيئة المواصفات والمقاييس" وينطبق على "هيئة مكافحة الفساد"، "جاك الذيب جاك وليده"، وها هي "هيئة الاستثمار": جعجعة ولا طحين، وغيرها مما سال في انتقادها حبرٌ كثيرٌ أو قيل فيها كلامٌ غزيرٌ.. ودائماً ما تكون تعقبات الهيئات ــ إن حدثت ــ تركض في براري إنجاز اللوائح والأنظمة وكأن "النصوص" بذاتها تملك قدرات خارقة على إنجاز "المنصوص" عليه؟! وبالتالي سيظل الجواب عن السؤال: في العنوان "موارباً"!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي