تزوير علمي بالجملة.. يا وطني!

كشفت الهيئة السعودية للمهندسين عن 550 شهادة هندسية مزوّرة لوافدين يعملون في السعودية، وقبلها كان قد تم اكتشاف أطباء، صيادلة، أساتذة جامعة وحاملي شهادات عليا مزوّرين أيضا!!
تُرى ما حجم الفساد والخطر الذي أشاعه هؤلاء المهندسون الزائفون؟ وكيف بالإمكان التحقق من سلامة المباني التي أقامها مَن ادّعى منهم الهندسة المعمارية أو المدنية؟ وكم فيهم من مهندس كهربائي أو ميكانيكي أو غير ذلك نشروا الخراب فيما امتدت إليه أيديهم؟! بل ماذا عمّا تسبّب فيما سبق ضبطه من أطباء وصيادلة مزيفين من مآسٍ في التشخيص وكوارث الأخطاء الطبية أو العقاقير والوصفات السامّة؟ وكذلك.. ما مدى التدمير المعرفي والعلمي الذي أحدثه حاملو شهادات عليا مزيفة تجرّأوا على التدريس أو التدليس في البحث العلمي بأذهان ليس فيها سوى الدجل والعفن؟!
أن يتم ضبط 550 شهادة هندسة مزيفة، إضافة إلى حوادث تزوير سابقة زعقت لهولها صحفنا من قبل.. ظاهرة مرعبة حقاً، وعمل قذر لعين يضرب الهوية الوطنية في أهم مرتكزاتها وهي العلوم والمهن؛ حيث يشكل ذلك تقويضاً لقداسة حرزها المعرفي والأخلاقي والحقوقي، ويستدعي استنفاراً وطنياً شاملاً تتصدّى فيه اللجان والهيئات المتخصّصة والمستشفيات والجامعات ومراكز البحوث والغرف التجارية والوزارات للتحقق من أن العاملين في قطاعاتها أو مَن يتقدمون إليها يحملون فعلاً مؤهلات صحيحة وحقيقية، وأن شهاداتهم مستوفية الأختام والتصديقات القانونية الفعلية ومؤكدة، بالسؤال عنها في مصادرها من الجامعة والبلد والجهة المرجعية ولا غير.
إن ظاهرة تزوير الشهادات تكشف عن جرأة وقحة في الاستخفاف بحرمة الأمانة العلمية والمهنية، فضلا عن كشفها وضاعة ودناءة نفوس مقترفي هذه الجريمة النكراء، على أن الوضع برمته يشير إلى أن قدراً مفزعاً من الاطمئنان في أن الغفلة عن اكتشاف المزوّر أو افتضاح أمره هي سيدة الموقف، وأن القناعة راسخة بأنه في منأى عن عين الرقيب.. وإلا كيف دهمنا هذا الرقم المخجل من التزوير دفعة واحدة؟ بل كيف غرقنا بسيل عرم من حملة الشهادات العليا حتى لمَن هم في خريف العمر؟ حتى غُم على أفراد المجتمع لكثرة ما اختلط الحابل بالنابل وصاروا يتبرعون بمناداة مَن غرّر بهم تحذلقه أو ''كشخته'' بـ ''يا دكتور''؟!
أن نترك بلادنا نهباً لمَن هبّ ودبّ من الزائفين المزوّرين.. أمر لا ينبغي على الإطلاق السكوت عنه، إذ ليس من المعقول الركون إلى الثقة العمياء والقبول بأوراق أي شخص كيفما اُتفق.. فكم بيننا من الزائفين المزوّرين، سواء من الوافدين أو من المواطنين؟! خصوصا وقد أصبح معروفاً وشائعاً وجود ''دكاكين'' تجارتها السوداء تزوير الشهادات في جميع التخصّصات وأرفع الدرجات، وليس يعنيها بتاتاً تسرّبهم بيننا طاعوناً قاتلاً في جسدنا الاجتماعي!!
إن اكتشاف هذا ''الكم'' المُفزع من التزوير يحمل دلالة مكثفة لحجم الاستهداف لبلادنا ومدى الاستهتار بنا.. إننا إزاء ظاهرة إجرامية فاقعة اللون تقرع أجراس الإنذار عالياً كي تسارع جهات العلم والعمل الخاصة والعامة للتمحيص في شهادات العاملين في قطاعاتها، ولن ندهش كثيراً لو اكتشفنا رقماً محرجاً من الشهادات المزيفة اندس خلفها أشخاصٌ ممن قد لا يخطرون على البال في هذا الموقع أو ذاك، لمجرد أننا أحسنّا الظن لطيبةٍ فينا حيناً أو ربما لغشامةٍ تعترينا حيناً آخر في عدم التمييز بين لابسي الأقنعة والصادقين.. أو قل هو يحدث، أيضا، توخياً منا ''للستر'' حيث الستر هنا جريمة!! فهل من سبيل لقطع دابر كل ذلك يا وطني؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي