صدّقوني .. طب الطوارئ كارثة!
تأخرنا كثيرا. فنحن نبدو كأننا اكتشفنا فجأة أن هناك نموا سكانيا، وحركة صناعية وتجارية كبيرة وزيادة في حركة المواصلات. واكتشفنا فجأة أن هناك ملايين البشر يأتون للمملكة كل عام في موسم الحج. ناهيك عن ملايين أخرى تأتي طوال العام من أجل العمرة.. كأننا تصورنا أننا نقف محلك سر وأن الزمن لا يتحرك وأن حركة الحياة قد توقفت.. وأن كل شيء تمام.
أقول هذا بمناسبة ما عرفته من أن تعداد المسعفين في المملكة على اتساعها واتساع نشاطها المتسارع لا يتجاوز ألفي مسعف. تصوروا! في الوقت الذي تحتاج فيه المملكة إلى 70 ألف مسعف خلال السنوات الخمس القادمة.. أين كنا طوال السنوات الماضية. على الأقل الـ 20 سنة الماضية. ألم تكن هناك خطط تنمية.. ألم يكن هناك ازدياد في عدد السكان؟ ألم تكن الملايين تزداد كل عام في موسم الحج؟
إن حياة الإنسان يمكن أن تتوقف في لحظة. ما لم يسعفه أحد. فما بالك بكل هذه الملايين التي تتحرك على اتساع المملكة وبكل عدد السيارات الخاصة والعامة وعربات النقل التي يزداد عددها يوما بعد يوم، أي نحن في حاجة دائمة لمن يقدمون الخدمة الطبية وهم المسعفون. فحادثة سيارة مثلا، يمكن أن يفقد سائقها حياته ما لم يلحقه مسعف، وحادثة السيارة حالة طارئة، ومثلها الزحام الشديد في موسم الحج، ومثلها ما يحدث في المصانع.
إننا ما زلنا ندرس مشاريع لقيام كليات تعد مسعفين للخدمة الطبية الطارئة، وهي مشاريع تحتاج إلى وقت. صحيح أننا بدأنا لكننا بدأنا متأخرين جدا، فالتنمية في المملكة يجب أن تكون خططها متكاملة في كل النواحي ولا يصح أن نتقدم في مجال، ثم نكتشف أننا نسينا أو أهملنا جانبا مهما مكملا لهذا المجال، إننا ساعتها كمن يمشي على ساق واحدة وهي حالة لا تساعد على التقدم، فكيف نقيم مصنعا دون أن نضع في حسباننا ما يمكن أن يتعرض له العاملون فيه! وكيف ننشئ طرقا تجري عليها السيارات الخاصة أو العامة، دون أن نضع في خطتنا ما يمكن أن يتعرض له من يستخدم هذه الطرق من حوادث، والمعروف أن نسبة الحوادث ترتفع عاما بعد آخر.
إن طب الطوارئ يمثل أمانا للمجتمع لأنه يسهم في إنقاذ أرواح المواطنين والعمل على تقليل الإصابات والوفيات، فماذا يعني أن تكون في المستشفيات وحدات طوارئ، لكنها في الوقت نفسه تفتقد المسعفين الكافين لهذه الوحدات.
نحن في وضع خطير جدا، ولا بد من تداركه بسرعة، وأن نتحرك في مجال طب الطوارئ بسرعة حركة التنمية نفسها وحركة المجتمع ذاته، إن لم يكن أسرع، وإلا فنحن مقبلون على كارثة.. صدّقوني.