رؤية لتعزيز العلاقات التجارية السعودية البريطانية
أكد اللورد ديفيد ووتن عمدة حي المال والأعمال بلندن، في مقال نشر له بصحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ الأول من آذار (مارس) عقب زيارته الأخيرة للسعودية، أن الفرصة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين الرياض ولندن أصبحت اليوم مهيأة أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك في مجالات متعددة أخرى مثل الثقافة والتعليم والتدريب والتأهيل، ولا سيما أن الاقتصاد السعودي والاقتصاد البريطاني يعدان من بين الاقتصادات المهمة والمؤثرة على مستوى العالم، والاقتصادات القلائل على مستوى العالم، التي تمكنت من تفادي التأثيرات المباشرة لتداعيات الأزمة المالية العالمية بأقل التكاليف الممكنة.
اللورد ووتن استند في تأكيده بإمكانية تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين المملكتين بشكل أكبر في المستقبل، إلى العلاقة السياسية التاريخية الطويلة التي تربط بين البلدين (السعودية وبريطانيا)، والتي يتجاوز عمرها ثمانية عقود من الزمان، حيث يعود تاريخها إلى عام 1927م عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتواصلت منذ ذلك التاريخ مسيرة العلاقات بين البلدين في جميع مجالات ميادين الحياة.
توجت هذه العلاقة الطويلة بين البلدين بأن أصبحت السعودية اليوم أكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط لبريطانيا، حيث تتبوأ بريطانيا المركز الخامس من بين الدول المصدرة للمملكة العربية السعودية وبلغت تبعاً لذلك الواردات السعودية من بريطانيا في عام 2010 (12.909) مليون ريال، فيما بلغت الصادرات السعودية إلى بريطانيا (3.461) مليون ريال، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين لنفس العام (16.370) مليون ريال، ووصل عدد المشروعات البريطانية السعودية المشتركة إلى نحو (200) مشروع بقيمة استثمار يصل إلى نحو (17.5) مليار دولار أمريكي، كما حقق برنامج التوازن الاقتصادي المنبثق من اتفاقية اليمامة الموقعة بين البلدين نتائج مميزة في العديد من المشروعات التنموية داخل المملكة. وعزز متانة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المملكتين، وجود نحو 20 ألفا من الرعايا البريطانيين، في حين يتجه آلاف الزوار السعوديين إلى بريطانيا للسياحة وممارسة الأعمال التجارية، وأصبحت السعودية أكبر شريك للمملكة المتحدة في مجالي التجارة والاستثمار في الشرق الأوسط، في حين أن المملكة المتحدة أصبحت ثاني أكبر مستثمر أجنبي في السعودية.
من بين مجالات التعاون المتاحة بين السعودية وبريطانيا، وفق رؤية اللورد ووتن المستقبلية، مجال الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، وبالذات في مجال التعليم والتدريب والتأهيل، ولا سيما أن بريطانيا تتمتع بسمعة مرموقة على مستوى العالم في قدرتها على تطوير وجذب المواهب المطلوبة من قبل الشركات العاملة في صناعة الخدمات المالية العالمية، إضافة إلى وجود شركات في مدينة لندن، تدعم برامج السعودة في المملكة، من خلال المساعدة على تدريب الشباب السعودي الموهوب وتعزيز التبادل في الأفكار والمواهب ورؤوس الأموال لما فيه المصلحة المشتركة، حيث يدرس في الجامعات البريطانية نحو ثمانية آلاف طالب وطالبة.
من بين المجالات التجارية أيضاً التي يمكن لبريطانيا أن تسهم في تعزيزها في السعودية، برنامج الشراكة الجديد في مشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لا سيما أن هناك نحو 4.5 مليون شركة صغيرة ومتوسطة في بريطانيا، تمثل نحو 60 في المائة من حجم العمالة في القطاع الخاص وما يقرب من نصف قيمة تداول رأس المال في القطاع الخاص، وتوظف ما يقرب من 14 مليون شخص.
من بين المجالات كذلك التي يمكن من خلالها تعزيز أواصر التعاون بين المملكتين، مشاريع تطوير البنية التحتية، ولا سيما في ظل التوجه السعودي لإقامة مشاريع تنموية عديدة ضخمة وعملاقة، مثل المدن الاقتصادية، ومشاريع الإسكان، وسكك الحديد، ومشاريع الطاقة، وغيرها، والذي بدوره سيتطلب التوسع في مجالات خدمية متعددة، مثل مجال الطاقة الكهربائية والماء والنقل، ومن هنا يمكن الاستفادة من الخبرة البريطانية الطويلة في تنفيذ تلك المشاريع، من خلال خلق شراكات بين القطاعين العام والخاص السعودي والبريطاني، بما في ذلك تقديم نموذج مثالي للتمويل والإدارة.
مجال التمويل المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، يعد أيضاً من بين المجالات المالية المهمة، التي يمكن لبريطانيا والسعودية أن تتعاونا في تطويره، ولا سيما أن السعودية تعد من بين الدول العربية والإسلامية الرائدة في مجال تطوير التعاملات المالية الإسلامية، في حين تحتل لندن موضعا فريدا على مستوى العالم، بما تمتلكه من عمق واتساع في أسواق رأس المال، إضافة إلى التزام الحكومة البريطانية بدعم التمويل المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتوفير الخبرات القانونية والاستشارية اللازمة لذلك.
خلاصة القول، يأتي تأكيد اللورد ديفيد ووتن، عمدة حي المال والأعمال بلندن، على أنه بالرغم من عمق العلاقة المتجذرة بين السعودية وبريطانيا في جميع مجالات الحياة، إلا أنه لا تزال هناك فرص متاحة أمام البلدين لتوطيد تلك العلاقة بشكل أكبر وأوسع مقارنة بأي وقت مضى، وبالذات في مجالات التعليم والتدريب والتأهيل وتطوير الكوادر البشرية، بما في ذلك في مجال مشاريع البنية التحتية، ومجال الرعاية الصحية، والتعاملات المالية، وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولا سيما أن المملكة المتحدة تمتلك خبرات علمية وعملية وفنية كبيرة في تلك المجالات، يمكن من خلالها خلق شراكات بين القطاعين العام والخاص في البلدين، لمساعدة المملكة العربية السعودية على تنفيذها لمشاريعها التنموية المختلفة على الوجه المطلوب، ولا سيما أن الحكومة السعودية لا تزال ماضية بقوة في تشجيع الإصلاح الاقتصادي، والمملكة المتحدة تتابع هذا الإصلاح عن كثب وتأمل له الاستمرار.
إن تحقيق هذا التعاون المنشود وبلوغ أهدافه المرجوة، يتطلب وفقما ورد في مقال اللورد ووتن المذكور، المزيد من العمل على إزالة الحواجز القانونية والتنظيمية التي تعوق تدفق التجارة بين المملكة المتحدة والسعودية، ما سيؤدي بنهاية المطاف إلى زيادة تدفق أنشطة الخدمات المالية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، ويساعد أيضاً على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين المملكتين، ويمكن في نفس الوقت من خلق فرص عمل، وتحقيق المزيد من الازدهار لشعبي المملكتين، والله من وراء القصد.