مكافحة الفساد.. هنا الفساد

منذ إعلان مجلس الوزراء السعودي، في أيار (مايو) الماضي، موافقته على تنظيم هيئة مكافحة الفساد، وعيون السعوديين، كل السعوديين، على هذه الهيئة. ماذا ستعمل؟ كيف ستحاصر الفساد؟ من أين ستبدأ؟ فهناك مجموعة من الأسئلة التي لا يعرف المواطنون كيف سيسألونها، ناهيك عن معرفة إجاباتها. للهيئة ولمعالي رئيسها، الزميل السابق في هذه الصحيفة، نقول: لن تجدوا أفضل من هذه الفرصة لتثبتوا أنكم فعلا عصا الحكومة في طرق الفساد أينما وكيف حل، وأنكم يد المواطن، لا صوته فحسب، فقد رمت الدولة بكرة مكافحة الفساد في ملعبكم، وأعطتكم صلاحيات واسعة وشاملة، فماذا أنتم فاعلون؟ فحريق مدرسة ''براعم الوطن'' في جدة، والحادث المأساوي لطالبات حائل، لن تجدوا أفضل منهما مدخلا للوصول إلى ثقة المواطن الذي ينتظر منكم ما غاب عنه طويلا، فالذي حدث في جدة وحائل، ما هو إلا نماذج محدودة لما هو أشد وطأة، أفلا يكون لهيئة لمكافحة الفساد دور هنا، بينما تتفرغ للوعيد والتهديد في وضع لوحات استرشادية للمشاريع الحكومية؟ ليت كل مشاكلنا في وضع لوحات من عدمها! الفساد لا يحتاج إلى مخبرين من المواطنين يا هيئتنا الموقرة. الفساد يحاصرنا في مأكلنا وملبسنا ومركبنا. ونراه في حياتنا اليومية وتعاملاتنا أينما يممنا وجوهنا. ألا يعد تراخى الجهات الحكومية في تطبيق اشتراطات السلامة فسادا؟ ألا يعتبر تسلم مشاريع الطرق وهي على علاتها فسادا؟ وكيف يمكن أن تصدر الأنظمة من أعلى الجهات في الدولة، ويأتي من يقرر غير ذلك، إما لمصالح ضيقة أو لاعتبارات شخصية دون أن يجد من يردعه أبدا أبدا؟ قرار تنظيم هيئة مكافحة الفساد كان واضحا وصريحا، فهي تهدف إلى ''حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره''، ولا أظن أن ما حدث في جدة وحائل يخرج عن الفساد المالي أو الإداري بأي صورة كانت. ألم يكلف مجلس الوزراء الهيئة بمتابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها؟ ألم تُمنح الهيئة صلاحية ممارسة عملها من أعلى سلطات البلاد؟ فأين الهيئة من ذلك؟ مخطئ من يظن أن هيئة مكافحة الفساد معنية بحرمة المال العام وحمايته والمحافظة عليه فقط، بل إن أهم واجباتها هو حماية أغلى ما في هذه البلاد، وهو إنسانها ومحركها الأساسي. ماتت ريم وغدير وفتيات حائل الـ 12، وخلف فاجعة رحيلهن فساد هنا أو هناك. التحقيق فُتح، واللجان شُكِّلت، وربما يُحَاسب مَن أخطأ، لكن المعضلة الأساسية في نظام استقوى الكثيرون على تجاوزه وانتهاكه. والفاسد، إداريا أو ماليا، لا يعلم أنه كذلك أصلا، طالما لم يجد مَن يمنعه أو يحاسبه بقوة النظام ذاته. هيئة مكافحة الفساد سيكون مطلوب منها أن تشمر عن سواعدها، لتكون عين المواطن والدولة في كل فاجعة تصيب الوطن، وكل كارثة ترمى مسؤوليتها على كل الأطراف إلا الطرف الأبرز، وهم أولئك الذين ينتهكون النظام صباح مساء. يتفرجون على كوارثهم وكأنهم غير معنيين بها، بل لا يلتفت إليهم أحد.. حتى هيئة مكافحة الفساد نفسها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي