رسالة الأمريكيين لأثرياء السعودية

آمل وأبتهل وأرجو وأدعو أن يكون حديثي هذا خفيفا على أثريائنا، لا حرمهم الله ريالا واحدا من ثرواتهم المليارية، لكن الفكرة ليست من عندي، بقدر أنها جاءت من أثرياء الولايات المتحدة، الذين طالبوا كونجرس بلادهم بزيادة الضرائب المفروضة عليهم، فهم يرون أنهم يدفعون ضرائب أقل مما ينبغي، تخيلوا! قائلين إنهم استفادوا من قوة الاقتصاد ويريدون الآن أن يستفيد الآخرون.
الدروس المستفادة من موقف 140 مليونيرا أمريكيا ، وهم مَن تقدم بالطلب، كثيرة، الأهم فيها أنهم أصلا يدفعون ضرائب بنسبة تراوح بين 22 و30 في المائة، أي أنهم ليسوا معفيين بالكامل منها، لكنهم، وعلى رأسهم الملياردير الشهير وارن بافيت، يعتقدون أنه من غير المنطقي أن يدفع معظم صغار الموظفين في بلادهم ضرائب تصل إلى 41 في المائة، بينما هم يدفعون أقل. ولعلي أتساءل هنا: ألم يبلغهم أحد أنه لا يوجد بين أثريائنا من يدفع ضرائب، وأن كثيرا منهم، وفقا للأرقام الرسمية، لا يدفع الزكاة المستحقة، التي لا تتجاوز 2.5 في المائة، وليس 41 في المائة، ومع ذلك فإن أغلبية أثريائنا يَمُنّون على المجتمع عندما يقدمون النزر اليسير، فهم مؤمنون بأن هذا المال من حقهم وحدهم فقط.
لننس 850 مليار ريال قيمة ثروات 1125 سعوديا، وفق تقرير شركة ويلث إكس المتخصصة، اللهم لا حسد، ولن نتحدث عمّا يعتبره البعض كلاما تنظيريا عن حق الوطن في هذه الثروات التي خرجت من رحمه، لكن نقول، لمن يظن أن هذه الثروات حق خالص له لا شريك له فيها، تعالوا لكلمة سواء، فكما في أكبر دول العالم تطبيقا للنظام الرأسمالي، فعلى أثريائنا أيضا تقديم كشف بثرواتهم، وبالتالي لن يطالبهم أحد سوى بدفع 2.5 في المائة من هذه الثروات، وهذا هو الحد الأدنى مما ينبغي عليهم تقديمه، حسب الشرع والقانون.
من غير المعقول أن تظل المساهمات الاجتماعية والتبرعات الخيرية حصرا على نخبة من الأثرياء ورجال الأعمال فقط، وهم معروفون بالاسم من ندرتهم، أما البقية الباقية فهي تعتقد، خطأ، أنه لا يمكن لأحد أن يمس هذه الإمبراطورية والثروات. لم يكن الدين هو وازع أثرياء الولايات المتحدة بكل تأكيد، لكن الوازع الوحيد لديهم كان أخلاقيا صرفا ووطنيا أيضا، أفلا يحق لنا المطالبة بأن نكون مثلهم، أم أن مطالبنا يجب أن تنحصر في حقوق هؤلاء الأثرياء نحو السعي نحو الحريات الاقتصادية الكاملة وفتح الأسواق وعدم تدخل الدولة، فلما يأتي دور واجباتهم، نحو الوطن وأهله، لا يلقى إلا الصدود والاستنكار.
إذا كانت الضرائب المفروضة على الدخل في أغلب دول العالم، هي المنظم الرئيس للعلاقة بين الموظف ورجل الأعمال والثري من جهة والدولة من جهة أخرى، فإن هذه العلاقة غائبة تماما بين جميع الأطراف في دولة مثل السعودية، وكلنا يعلم أن سبب عدم وجود ضرائب على الدخل هو فتوى شرعية تمنع ذلك، لكن هذا لا يعني أن تترك جباية الزكاة على تلك الثروات، وفق قواعد تعود في النهاية للأهواء الشخصية، أم أننا تعودنا أن الأهواء وحدها هي التي تنظم العلاقة مع الدولة، لا القانون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي