قتلة الآباء!

خبر إنساني .. ومخجل في نفس الوقت .. طالعتنا به الصحف عن قانون خرج من "الجزائر" .. أكد فيه وزير التضامن الاجتماعي الوطني .. أن الأشخاص الذين يتخلون عن والديهم المسنين سيحالون إلى القضاء، وذلك وفقاً لما تنص عليه إحدى مواد مشروع القانون الجديد الخاص بحماية هذه الفئة الاجتماعية.
ولكن هل وصل بنا الحال إلى أن نحتاج لمن يذكرنا ويهددنا بسيف القانون .. أن نحسن معاملة والدينا .. ونبرهما في كبرهما.
نعم .. من يطالع صفحات الحوادث والجرائم التي تنشر يومياً .. يدرك تماماً أن الحال وصل بنا لهذه الدرجة المتردية .. الضحايا .. آباء وأمهات .. والأبطال أبناء قتلة .. من يتابع دور المسنين والأعداد التي تحويها من كبار السن يدرك أن الأمر فظيع .. من يسمع أوجاعهم وآهاتهم وقصصهم .. إنها قصص تشيب لها الولدان .. شاب ذبح أمه لأنها منعته من سرقتها لشراء سمومه .. آخر قتلها وهي تصلي .. وآخر هشم رأسها .. القصص كثيرة ونهايتها واحدة .. الموت قتلاً .. وأحياناً يكون الموت إهمالاً .. وهو أشد إيلاماً من القتل .. أن يهمل الوالدان بتركهما للخدم والسؤال عنهما في فترات متباعدة .. وكأنهما منتهيا الصلاحية .. أو رفعا من الخدمة .. والسؤال عنهما مجرد صدفة .. يتصدقون بها عليهما .. وهناك من يتخلص من والديه في دور المسنين بحجة أن الرعاية الصحية والنفسية واليومية أفضل .. ولا يعلمون بذلك أنهم حكموا عليهم بالموت البطيء. منحوهم شهادات تقاعدهم من الحياة.
ولكن كيف وصل بنا الحال لهذه الدرجة .. ما الأسباب؟ ما الدوافع؟ كيف نعالج الأمر؟ كيف نعيد مفهوم الأسرة والدفء الأسري لحياتنا التي باتت مجردة من المشاعر والأحاسيس؟
للعقوق أسباب كثيرة .. وربما تبدأ من الأسرة ذاتها .. فعندما يفتقد الابن العاق الدفء الأسري تتحجر مشاعره .. عندما يتنصل الوالدان .. وتشتعل الحرائق أمام الأبناء تتشتت مشاعر الأبناء بين الأب والأم وكلاهما يتزوج غالباً فيفقد الأبناء انتماءهم لأحدهما .. كذلك عدم المساواة في تربية الأبناء وتفضيل أحد الأبناء على غيره في تقديم الطعام أو الملبس والمال أو حتى إظهار العاطفة والحنان لدرجة أن ينتقل حبه لأحفاده وتمييزهم عن أبناء الآخر. فيخلق الكراهية لهذا الأب والحقد والحسد على الشقيق المدلل .. وهنا تتحجر المشاعر وتنغلق القلوب أمام هذا الأب الظالم .. فيقتص منه في كبره .. كذلك التدليل الزائد للطفل .. يفقد الأب هيبته رويداً رويداً أو القسوة الزائدة على الأبناء .. إنها مجرد مفاتيح لقلوب الأبناء نحو آبائهم.
ولكن بالرغم من ذلك .. لا بد من مراعاة الأب والأم مهما بلغت درجة قسوتهما أو أخطائهما .. إن هذا الابن سيصل لعمر يعيش نفس الدور ونفس المشهد سيتكرر معه.
ولكن ماذا عن الحلول .. لا بد من تقديم المساعدات من قبل الجمعيات والشركات والتأمين الصحي .. والتعاون مع الأسر غير القادرة مادياً على الإنفاق بالمساهمة والمشاركة معها بالإنفاق على المسن مادياً وطبياً.
الموضوع يحتاج إلى وقفة جماعية تشترك فيها جميع الجهات .. حتى لا نصبح أمة تتبرأ من إنسانيتها وآدميتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي