"طيراننا.. مواعيده.. معاملته"
لم أفكر يوماً في الكتابة عن طيراننا الوطني، خاصة، أن المقالات المعريّة لخدماته متلاحقة سريعة لا تتوقف أنفاسها.. إلى أن قرأت مقالاً بالعنوان المذكور أعلاه، للكاتب عبد الكريم الجهيمان، منشور في "صحيفة القصيم" العدد (18) بتاريخ 10/10/1379هـ، أي قبل ما يزيد على نصف قرن من الزمن! فأحببت أن أشارك القراء فيما جاء فيه، دون أي تدخل من الكاتب.
جاء نص المقال، بحرفيته، كالتالي: "الطيران عندنا له طرائق خاصة.. في مواعيده وفي طريقة معاملته للركاب.. قبل الركوب وبعد الركوب، وقد أصبح المواطن لا يطمئن إلى أنه مسافر حتى بعد ركوبه للطائرة .. ولا حتى بعد أن تحلق به في الجو. لأن الراكب لا يأمن - ما دام لم يصل إلى هدفه - أن تأتي إشارة لاسلكية إلى الطائرة لتعود إلى النقطة التي انطلقت منها قبل وصولها إلى النقطة التي انطلقت إليها.
ويتناقل المواطنون حوادث من هذا النوع قد تكون الوحيدة من نوعها في طيران العالم .. ومن هذه الأشياء التي يتناقلها المواطنون أن ركاب إحدى الطائرات بعد أن تكاملوا وحلقت بهم الطائرة .. جاء ركاب جُدد .. إلى المطار فأُمرت الطائرة بالعودة .. فالهبوط .. ثم إنزال نصف الركاب .. ولا أدري كيف أنزل هذا النصف هل هو بالقرعة .. أو بطريقة حظك ونصيبك.. ثم أُركب بدلاً منهم الركاب الجُدد .. وقيل لهؤلاء المنزلين إن موعدكم للسفر غداً.. فأكلوها ولم يستطيعوا أن ينبسوا ببنت شفة حال الإنزال، وكل ما استطاعوا أن يفعلوه هو أن يرووا هذه القصة الغريبة لكل من اجتمع بهم..
(ويستطرد الكاتب) وقد ذكرتني هذه الحادثة بحادثة أخرى مماثلة لها يتداولها المواطنون أيضاً.. منذ عشر سنوات تقريباً (أي نحو سنة 1948 ميلادية).. فقد طارت إحدى الطائرات بركابها وبعد أن بلغوا منتصف الطريق ما بين الرياض وجدة .. جاءت إشارة لاسلكية برُجوع الطائرة إلى الرياض.. فرجعت.. وأُنزل ركابها جميعاً وأُعطوا موعداً آخر للسفر.. وركب الطائرة أناس لم يخطر لهم السفر على بال إلا في تلك اللحظة التي بلغوا فيها المطار برغبتهم في السفر فقامت إدارة المطار بإعادة الطائرة من حيث وصلت.. حتى ولو كانت قد شارفت الوصول إلى هدفها..
وهناك حادثة ثالثة قد تفوق هاتين الحادثتين شذوذاً وغرابة .. وهي أن حجاجاً من إخواننا الهنود جاؤوا من بلادهم إلى الظهران ومن الظهران ركبوا إحدى طائراتنا إلى جدة، ولكن الطائرة التي تقلهم لا بد أن تمر بالرياض وفي الرياض حدثت المفاجأة غير السارة .. فقد كان في مطار الرياض ركاب لا بد أن يسافروا.. ولا يمكن سفرهم إلا إذا أُنزل ركاب هذه الطائرة بأجمعهم .. ومن جملتهم الركاب من إخواننا الهنود.. وكان القرار الأخير أن ينزل هؤلاء الركاب من الحجاج .. وأن ينتظروا في الرياض إلى موعد آخر..
وقد نُفِّذ هذا القرار بصرف النظر عما سيحدثه في نفوس هؤلاء الإخوان الأعزاء .. الذين كان يجب أن يجدوا خدمة .. وأن يجدوا تسهيلاً لا أن يُحرموا من حق من حقوقهم المشروعة التي يستحقونها شرعاً.. ويستحقونها نظاماً.. ويستحقونها كرماً ومروءة.
(ويتابع الكاتب) هذا من ناحية المعاملة .. أما من ناحية المواعيد فحدِّث عن اختلالها ولا حرج .. فقد تُعطى موعداً فتبقى في المطار بعد الموعد ساعات قد تمتد من أربع إلى خمس.. ومن خمس إلى ست ساعات.. ولو كان هذا الانتظار في مطار مُنظَّم تتوافر فيه جميع الشروط المطلوبة لهان الأمر ولخفّ المصاب.. ولكنه في مطار لو أردت أن تقضي فيه حاجة لما وجدت لقضاء الحاجة مكاناً.. إلاَّ أن تذهب إلى إحدى الخربات.. أو إلى إحدى البقع الخالية فتقضي حاجتك على الطريقة البدائية التي يتبعها الناس في الصحراء الخالية من الإنسان والخالية من العمران..
وكم وكم من الملاحظات التي لا حدَّ ولا عد لها، فهل من سميع؟ وهل من مجيب؟ نرجو ذلك.. " (انتهى نص المقال)، دون أي تدخل من الكاتب الذي يرجو القراء الكرام إعفاءه عن التعليق عليه .. ونحمد الله، حقيقة، أن مطاراتنا فيها أماكن لقضاء الحاجة ولو بفيروسات متنقلة!