أحب اللي يدلني على الخير!!

هنالك قطين من البدو كانوا يسكنون شمال شرق مدينة الرياض (بين العرمة والدهناء).. يعتاشون على الرعي فقط، كانت أحوالهم أقرب للعوز، فهم لفترة طويلة من مستحقي الزكاة والصدقات... سألت أحد العارفين عن أحوالهم (هذا العام) فقال لي أبشرك لم يبق منهم أحد، فقد تركوا البادية فلرب ضارة نافعة.. فمنذ عدة سنوات أصيبت المنطقة بالجدب وقل الرعي وأصبحت حاجتهم أكبر للشعير لإعلاف ماشيتهم، ولكن بدأت المشكلة الحقيقية منذ ثلاث سنوات عندما وصل كيس الشعير إلى 50 ريالاً... أدى جدب الأرض وارتفاع سعر الأعلاف (بشهادة أهل المنطقة) إلى هزال ماشيتهم حتى مات بعضها وانقطع الآخر.. فوضع ماشيتهم قد يذكرنا بما يحدث هذه الأيام في الصومال.
بدأ الانفراج عندما علم بحالهم أحد أعيان محافظة رماح، فلم يأل جهداً في إسعافهم، ولكن أصبح "الشق أكبر من الرقعة"، فتذكر قول أبي الطيب المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
فقام بترتيب لقاء لثلاثة من كبار السن من تلك الجماعة مع سمو الأمير الشهم سلطان بن عبد العزيز ولي العهد - حفظه الله - وألبسه ثوب الصحة والعافية... بالطبع لم يستطع أي منهم التعبير عن حاجاتهم!! فما كان من ذلك الرجل (الوسيط) بما من الله عليه من وجاهة ومقدرة في التعبير أن شرح أحوالهم وتشرذمهم لسموه الكريم الذي تأثر كثيراً، ولكن لم يقل دعوني أفكر، أو ارفعوا لي خطاباً حول أوضاعهم!! بل أمر فوراً بشراء سبعة منازل في محافظة رماح لعوائلهم السبع من حسابه الخاص، كما دفع لهم أيضاً مبلغ 300 ألف ريال لكل عائلة. وأكثر من ذلك وأهم: أن سموه أمسك بيد ذلك الرجل الطيب وقال له مبتسماً ومتأثرا في نفس الوقت: (أنا أحب اللي يدلني على الخير).
ففي هذه القصة دروس وعبر كثيرة لعل أهمها:
1) على الرغم من الأموال التي تصرف على الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي إلا أنه لا يزال هنالك طائفة من الناس قد تنقطع بهم الأسباب، وهنا لا بد من الجهود والمبادرات الشخصية في تلمس حاجات الضعفاء في كل مكان.
2) لم يعتمد الوسيط في حل مشكلات أولئك الضعفاء على رؤساء المراكز أو الجمعيات الخيرية، بل قام بمبادرة شخصية بحكم وجاهته ومعرفته الشخصية بسمو الأمير، فهو بذلك يمثل البطانة الصالحة التي تدل ولاة الأمر على الخير وتعينهم عليه.
3) أما الدرس الأهم في هذه القصة، هو إنسانية سمو الأمير سلطان وحبه للخير، فكلمة سموه: "أنا أحب اللي يدلني على الخير" تعد شهادة تاريخية صادرة من قلب صادق، فلو أن كل موسر أو مسؤول لديه هذا النفس الطيب وانشراح الصدر والسعادة بمعرفة أحوال الضعفاء وتلمس حاجاتهم والنية الصادقة لإيجاد حلول لها، لما بقي في هذا البلد فقير، بل ولن يظل مواطن دون مسكن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي