الزكاة ملازمة لسائر الشرائع السماوية

جعل الإسلام الزكاة ركناً من أركانه، قال - صلى الله عليه وسلم: "الْإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا" (مسلم)، وبيَّن الله - عزّ وجلّ - مستحقيها: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّه"، فعَنَت كلمة: "الصدقات"، في هذه الآية، في التفاسير: "الزكوات"، ونجد لدى "الماوردي" في كتابه "الأحكام السلطانية": أن "الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتفق المسمى".
هذه الزكوات، أو الصدقات، مفروضة، ليس على المسلمين فقط، بل على أتباع سائر الشرائع السماوية، وهذا ما يعلنه القرآن الكريم صراحة.. فقد أخذ الله - سبحانه وتعالى - الميثاق من بني إسرائيل، أن: (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقال عيسى بن مريم - عليهما السلام: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا).. إذاً، الزكاة ملازمة لسائر الشرائع السماوية: التوراة والإنجيل والقرآن، كالصلاة تماماً.
ففي التوراة ذكر أن عُشر محصول الأرض والأنعام كان واجباً على بني إسرائيل، إذ كانوا يتركون بعض السنابل والثمار في المزارع والحقول كزكاة تُدفع إلى بيت مال المقدس؛ يوقف عُشره لضيافة الحجاج، ويُطعم منه المسافرون واليتامى والفقراء يومياً، تُحصِّله فرق مُتخصِّصة، قوية الشأن، كجُباة لهذه الزكاة، يرثُون هذا المنصب أباً عن جد، تُلزم اليهود بأداء هذه الفريضة.. وفي هذا الشأن يُبيّن الكاتب اليهودي GFMOORE في كتابه JUDAIESM: أن "الاعتماد على الضمير – ضمير اليهود - في هذه الناحية لم يأت بخير"! ويستطرد قائلاً: "ولا شك أن علماء الدين – اليهود - أنذروا قومهم ونصحوهم بأن هذا الخداع والمكر والانحراف عن أداء العشر إثم كبير، لكنهم لم ينجحوا في إصلاح القوم" – اليهود، لبخلهم وحبهم للثراء والاكتناز، كيف لا؟ وقد اشتهروا بزعامتهم في أعمال الربا، وتماطلهم في أداء الحقوق، وميلهم للتأويل والتعليل! حتى في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول سعيد بن جبير عن ابن عباس: لمَّا نزلَ قوله تعالى: (مَّن ذا الَّذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثيرةً)، قالت اليهود: يا محمد! افتقر ربك فسأل عباده القرض؟ (القرطبي)، فأنزل الله: "لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذينَ قالوا إنَّ اللهَ فقيرٌ ونحنُ أغْنياءُ"، ثم ذمهم - جل وعلا - بقوله: "وقالتِ اليَهودُ يَدُ اللهِ مَغْلولَة غُلَّتْ أيْديهِم وَلُعِنُوا بما قَالوا بَلْ يداهُ مَبْسوطتانِ يُنفِقُ كيف يشاءُ".
إذاً، التعاليم اليهودية تفرض على اليهودي أن يتصدّق - يزكّي ماله، بعُشر دخله، كما سمحت هذه التعاليم بتدخل الدولة لإرغام البخلاء على العطاء من مالهم.
وفي المسيحية نجد في "إنجيل لوقا"، موعظة واضحة تنطوي على أحكام الصدقات - الزكوات، جاء فيها: "أعطوا تعطوا، أعطوا من يسألكم، ومن أخذ متاعكم فلا تسترجعوه منه، أحبّوا أعداءكم وأقرضوهم وستجزون جزاءً كبيراً على ما تفعلون". وقدَّم (القديس جوهن) فريضة الصدقة بغاية الوضوح والجلاء، فقال: "الذي تتوافر لديه أسباب الراحة والمتعة، ثم هو يهرب من مساعدة أخيه الفقير، وهو يعلم مدى احتياجه، كيف يدوم فيه حب الله"؟!
وهكذا يتبين لنا أن الزكاة ركن أساسي في الأديان السماوية كافة، ضلّ عنها اليهود والنصارى، بفعل التحريف والتأويل لشرائع الله، فأخذوا كلام الله هزواً .. فكنزوا المال حباً في الدنيا واستعلاءً، لكن هل نفعهم هذا الكنز؟.. أم أن مصيره شؤم عليهم في الدنيا وعذاب في الآخرة؟!
ولكن، مع الأسف، بعض المسلمين، إن لم يكن أكثرهم في هذا الزمان، يحاولون التهرب من أداء هذا الركن العظيم، أو تأدية القليل منه حتى..! بل، منهم من يستميت في الحصول على فتوى لتأدية هذا الحق في غير مسالكه المشروعة.. كل ذلك لن ينفعهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة، خاصة إذ علمنا يقيناً أن الزكاة ومقدارها (2.50 في المائة) ليست نقصاناً للمال.. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: "مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ" (الترمذي)، بل هي بركة.. والبركة هي الهدف الأسمى من الزكاة، ولكن ما معنى البركة؟ هذا ما يجب على الجميع معرفته! فلنلتزم بهذه الفريضة المباركة في هذا الشهر المبارك.. ولنكن من السبَّاقين في تحقيق قول الشافعي:
"أَعْرِض طَعَامَكَ وابْذلهُ لمن أكلا ... واحْلف على من أبى واشْكر لمنْ فعلا"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي