أبعاد الجدل حول الدولة الفلسطينية واليهودية

تسعى إسرائيل والولايات المتحدة بكل الجهد لمنع السعي إلى أن تعترف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطينية، وهو ما يعرف الآن باستحقاق أيلول (سبتمبر). وقد يبدو للقارئ أن هذا المسعى هو تكرار لما سبق منذ عام 1988 - 1989 وأنه لن يضيف جديدا، إذ تعترف بفلسطين أكثر من 120 دولة، ولكن المشكلة هي أن الاحتلال تزايدت رقعته والتهويد ينتشر. وقد يصاب المرء بالغرابة إذ يصدر الكونجرس قرارا ضد إقامة دولة فلسطينية، رغم أن واشنطن تدعي أنها ترعى عملية سلام تؤدي إلى قيام هذه الدولة على حدود 1967، وهو التزام أمريكي ثابت، ولكن من الناحية النظرية. كما أن إسرائيل تهدد السلطة الفلسطينية بأنها إن أقدمت على استحقاق أيلول (سبتمبر) فإن إسرائيل ستنهي اتفاق أوسلو، وهي تدرس هذه الخطوة وتداعياتها رغم أن إسرائيل من الناحية العملية لا تحترم أوسلو أو غيرها، كما أن شارون ونتنياهو تجاوزا بكثير ما كان يمكن لأوسلو أن تحققه لإسرائيل، حيث يبدو أن أوسلو في الصف الفلسطيني تفريط، وفي الصف الإسرائيلي قيد شكلي تم تجاوزه في علاقة إسرائيل بالفلسطينيين، وهذا موضوع يحتاج إلى سياق أوسع للتحليل.
معنى ما تقدم، إذا كانت الدولة الفلسطينية معلنة والاعتراف بها قائم، فماذا يريد الفلسطينيون بمسعاهم الجديد؟ وهل رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي مجرد مسرحية تدعيان فيها فداحة الخطب بسبب آخر أو لمسرحية جديدة تنهي أمل الفلسطينيين في أراضيهم؟
النقطة المركزية في الموقفين الأمريكي والإسرائيلي هي أن السعي هو تجديد الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967 ولو أنه أقل من قرار التقسيم الذي ضمت إسرائيل خارجه نحو ربع الأراضي الفلسطينية ثم توالت القرارات من كل أجهزة الأمم المتحدة ولم تؤثر في قطار التهويد. والأكثر إيلاما لإسرائيل هو أن يرفع العرب السقف، حيث يطالبون بتطبيق قرار التقسيم الصادر من الجمعية نفسها عام 1947 والتذكير به ضد المحظور الإسرائيلي والأمريكي الذي فرض في مؤتمر أوسلو والذي اعتبر أن القضية بدأت بقراري مجلس الأمن 242-338، لأن إسرائيل أضافت إلى أراضيها فعلياً بعدما خصصه لها قرار التقسيم أكثر من ثلث أراضي فلسطين التاريخية. بل إن العرب يمكن أن يخيروا إسرائيل بين التطبيق العادل لقرار التقسيم أو التشكيك فيه أصلاً على الأقل في ضوء سوء نية إسرائيل في استصداره وتطبيقه وعدم احترامه. القضية الآن تدور حول مدى شرعية قيام إسرائيل أصلاً وعدم شرعية سلوكها ووجودها. تأكيد الأمم المتحدة مرة أخرى في هذا الوقت بالذات على مواقفها السابقة معناه ضرب فكرة الدولة اليهودية التي تشمل كل فلسطين كما تدعي إسرائيل، وهي تأكيد على الموقف الدولي بأن تتجاور دولة فلسطين مع دولة إسرائيل. هذا هو سبب الموقف الأمريكي الإسرائيلي ضد استحقاق أيلول (سبتمبر).
ومن الواضح أن إسرائيل شعرت بأن هذا المسعى الفلسطيني هو ضربة كبرى بفكرة الدولة اليهودية التي يتمسك نتنياهو باعتراف الفلسطينيين بها كشرط أول لاستئناف مفاوضات السلام الوهمية، ولا يستقيم الحديث عن عملية سلام لا تكون الدولة الفلسطينية غايتها مع تمزق إسرائيل بفكرة الدولة اليهودية، وهذا هو جوهر الخديعة الإسرائيلية: تصر على الحق في كل فلسطين وتدعو الفلسطينيين للاعتراف بهذا الحق تحت شعار السلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي