الاعتراف الدولي بين الثوار ونظام القذافي
يتوالى الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي وإن كان عدد الدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي لا يزال محدوداً، إلا أن دولاً رئيسة كالولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا وغيرها كانت ضمن الدول التي قررت الاعتراف بالمجلس، فما الأثر القانوني للاعتراف بهذا المجلس خاصة مع استمرار اعتراف هذه الدول بحكومة القذافي، وهل يحل المجلس في نظر الدول المعترفة به محل هذه الحكومة؟
من الواضح أن هناك منافسة في الشرعية وتمثيل الدولة الليبية بين المجلس الانتقالي وحكومة القذافى، كما أن الثورة الليبية بدأت في الشرق وتحدت نظام القذافي الذي حاول سحقهم بكل ما يستطيع من قوة بحجة أن الشعب الوفي هو الذي يلتف حوله، أما ''الفلول'' المأجورة فهي التي تنكر سلطته.
ولكن الناظر إلى حجم هذه ''الفلول'' والطابع الإجرامي لسحق التمرد وانضمام العديد من الدبلوماسيين والقبائل وغيرها يدرك أن معظم الشعب الليبي أصبح خارجاً على سلطة حكومة القذافي. على الجانب الآخر لا تزال حكومة القذافي هي الممثل للدولة الليبية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى العربية والإفريقية والإسلامية والمنظمات الاقتصادية والمالية. كما لا يستطيع المجلس الانتقالي حتى الآن أن يمثل ليبيا في هذه المنظمات، كما أن الدول التي اعترفت بالمجلس لم تحل للمجلس بعثة دبلوماسية محل البعثات الرسمية الليبية رغم أن بعض العاملين فيها انضموا صراحة إلى المجلس الانتقالي. وقد لاحظت أن بعض الدول الأوروبية تعتد بتصرفات السفارات الليبية التي تحولت إلى سفارات للمجلس الانتقالي.
وقد أثيرت قضية مدى أهلية المجلس الانتقالي لكي يسحب من الأموال المجمدة الليبية، من البنوك المركزية أو إيداعات البنوك التجارية الأجنبية خاصة في ضوء الحاجة الماسة إلى المال بعد أن تصدت قوات القذافي لصادرات النفط التي حاول المجلس الاستفادة من دخولها في الإنفاق على احتياجات السكان في المناطق المحررة.
فهل ينحصر أثر الاعتراف بالمجلس في أنه اعتراف بالثوار والمحاربين حتى تتوافر لهم الحماية المقررة في القانون الدولي أم أن هذا الاعتراف خطوة نفسية للمساعدة على زوال نظام القذافي؟ نحن نرى أن هيمنة الثوار على معظم السكان ومعظم أراضي الدولة وإدارتها إدارة مستقلة والتصدي لقوات القذافي وجرائمها تفتح الطريق أمام افتراض أن الدولة المعترفة بالمجلس قد اختارت المجلس وتخلت عن نظام القذافي، الذي ارتكب أبشع الجرائم، كما أنني أميل إلى السماح للمجلس الانتقالي بالاستفادة من أموال الشعب الليبي التي وضعها النظام تحت سيطرته ووجهها ضد مصالح هذا الشعب سواء نجح الثوار في إزاحة القذافي بالحلول السلمية أو بالحلول العسكرية، المهم أن تخرج ليبيا الوطن من هذه الأزمة الخطيرة متماسكة حرة ومستقلة.
الشعب الليبي قدم تضحيات هائلة ويريد أن تتحرر إرادته ولا يزال يضحي من أجل يوم يحقق فيه آماله في الحرية والاستقلال والتاريخ يسير إلى الأمم وستشرق شمس الحرية قريباً على هذا الجزء العزيز من الوطن العربي.
وقد عرفت العلاقات الدولية سوابق من هذا النوع وكان الاعتراف بالحكومة البديلة دائماً قراراً يتوقف على التقدير السياسي للدولة المعترفة، وبذلك فإنه في الحالة الليبية فإن الاعتراف له أثر أكبر بسبب القسوة ضد المدنيين.