العالم العربي ودولة جنوب السودان
تابعنا في ''الاقتصادية'' منذ اتفاق نيفاشا عام 2005 رحلة انفصال جنوب السودان وكيف أن حق تقرير المصير الذي تضمنه الاتفاق تحقق عن طريق الاستفتاء بعد ست سنوات من بدء سريان الاتفاق، وأن ذلك الانفصال لم يكن مفاجأة وأننا حذرنا من آثاره، حيث لا نجد صعوبة في رؤية مستقبل السودان في ضوء انفصال الجنوب. فإذا كان يوم التاسع من تموز (يوليو) هو عيد الاستقلال في الجنوب، فهو عيد انتصار فريق تمزيق السودان وانتصار المشروع الصهيوني ـــ الأمريكي في احتلال موقع حساس يهدد به مصر والعالم العربي ومجمل العلاقات الإفريقية - العربية، وهو في اليوم نفسه يوم حزين لشمال السودان ولأنصار الوحدة في العالم العربي. فقد تخلى العالم العربي عن مشروع الوحدة لكنه لم يصمد عند مستوى الدولة القومية، وها نحن نرى انفصال الجنوب مؤشراً على أزمة الدولة العربية الحديثة التي تواجه مشروعاً شرساً لتفتيتها، وتساعد أزمة نظم الحكم في المزيد من الضغوط عليها. في السودان تلقي المعارضة باللوم على الحكومة وفي العالم العربي يشيرون بأصابع الاتهام إلى أزمة الديمقراطية واضطراب الحكم في الخرطوم طوال كل هذه العقود واتساع الدولة السودانية وترهل إدارتها واستهداف وحدتها التي ازدادت كلما ازدادت أزمة الحكم في الخرطوم. رسالة الانفصال للسودان الشمالي تثير القلق من أن يتم تفكيك السودان بمساعدة الجنوب، بعد أن أصبح موطئ قدم لكل من يستهدف وحدة الوطن السوداني. أما الرسالة في العالم العربي فهي أشد إزعاجا وهي أنها سابقة لبدء تفتيت الأوطان العربية بعد أن نجح مخطط فك لحمة العلاقات العربية وأضعف جامعتها وتخلل الغريب في صفوفها مما يتطلب الحذر والتمسك بأهداب الوحدة الوطنية، خاصة أن مخطط التفتيت معلوم ومنشور ومتاح منذ عام 1982 وهو خطر لا يستثني أحداً، ولذلك فإن التضامن العربي وتصحيح أوضاع بعض النظم وترسيخ العلاقات الداخلية بين أبناء الوطن الواحد لم تعد ترفاً أو تزجية لأوقات الفراغ، فالانفصال مؤشر على ضعف المناعة العربية ضد مخطط التفتيت.
فما هي السياسة العربية الواجبة تجاه المسألة السودانية؟
لا شك أن العرب حريصون على وحدة ما تبقى من السودان وأنهم يدركون أن الانفصال تم بالتواطؤ مع بعض الدول العربية المجاورة، وأن في حلق الخرطوم مرارة مبررة، ويدركون أن عجزهم عن مساعدة السودان على الحفاظ على وحدته خلال الصراع أو خلال المفاوضات هو أحد أسباب الانفصال ولو أن مخطط الانفصال كامن منذ أربعينيات القرن الماضي. فقد نادى البعض بانضمام الجنوب إلى الجامعة العربية، ولكن انفصال الجنوب هو فرار من الإسلام والعروبة، وأن مستقبل الشمال مع الجنوب ينذر بالكثير من المتاعب خاصة بعد أن استعصت الخرطوم على إسرائيل، فكانت غبطة إسرائيل بفصل الجنوب لا توصف فيما نذر نتانياهو في رسالته إلى سلفا كير كل إمكانيات إسرائيل لدعم الجنوب. فهل ينتقل خط المواجهة مع إسرائيل إلى الجنوب؟ يجب على العالم العربي أن يساعد الشمال على تفادي مشاكله مع الجنوب، وأن يدعم المواقف العادلة لأي طرف وألا يسمح بانزلاق الصراع بين الشمال والجنوب إلى صراع عربي - إفريقي حسبما تصور إسرائيل وتتمنى، وأن يبلور سياسة عاقلة تفتح الأمل في وحدة جديدة.