القضايا العربية في الانتخابات التركية

السؤال الذي بات طرحه ضروريا من الناحية الاستراتيجية هو من يخدم القضايا العربية أكثر: تركيا الديمقراطية أم تركيا تحت الانقلابات العسكرية، بل أي النمطين في تركيا يخدم الإسلام والمسلمين بشكل أوضح؟ سبب إلحاح السؤال هو اكتساح حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية التركية يوم الأحد الماضي 12 حزيران (يونيو)، ونتائج هذه الانتخابات تتطلب منا تحليلاً وافياً من منظور المصالح العربية والإسلامية. الإجابة قولاً واحداً هي أن تركيا الديمقراطية هي الأوفى حظاً في خدمة العرب والمسلمين والاقتراب منهم بقطع النظر عن قرب العرب والمسلمين من الديمقراطية أو بعدهم عنها، فهذا العامل ليس محورا تقاس عليه العلاقات العربية - التركية، كما أن تركيا لا تسعى إلى نشر الديمقراطية في العالم العربي، بل إن النموذج التركي في الكفاءة والإنجاز والعمل جعله محل إعجاب العالم العربي والإسلامي، كما أن توليفة النموذج في القضايا الداخلية والسياسات الخارجية جعلت تركيا تربح نفسها ولا تخسر أحداً، وتلك معادلة عبقرية، تشد الانتباه إليها، ولكنى أظن أن الإدارة والوعي والبعد الثقافي تجعل تقليدها أمراً مشكوكا فيه.
لقد اتضح لكل المراقبين أن تركيا التي يحرس علمانية بنيتها الجيش الذي أجرى أربعة انقلابات عسكرية خلال37 عاماً بموافقة غربية مادام الانقلاب يهدف إلى إطفاء فورة التيار الإسلامي الذي نضج تماماً بعد ذلك وعرف أن جوهر الدين لا يكون بالدعاية له بالإعلام والمظاهر وإنما بالتنفيذ الأمين لقيمه، وفي ذلك تشترك الإنسانية كلها سواء كانت تتبع أديان توحيد سماوية أو تعقيدات فلسفية أرضية، فالعبرة بفهم المقاصد والالتزام بها وليس بالمظاهر والتركيز عليها خلال مرحلة الانقلابات العسكرية كانت تركيا عدوا للعالم العربي والإسلامي حليفاً لإسرائيل وعضوا في الناتو، ولكنها كلما اقتربت من الشواطئ الديمقراطية ازدادت اقترابا من دائرة مصالحها وانتمائها الطبيعي وهو العالم العربي والإسلامي، حتى جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم وهو النسخة الناضجة من أحزاب إسلامية، ولوحظ أن تحرك تركيا في المنطقة لقي ترحيباً عربياً بسبب الضعف العربي، حتى بالغ بعضهم بالقول إن تركيا تعوض غياب العرب عن بعض الملفات، ولمز بعضهم بأن تركيا تتطفل على ساحات لا يجوز اجتيازها ولكن تركيا تعرف جيداً أن الساحة الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي هي التي تستحوذ على حياة العرب والمسلمين، وأن كل صوت لمصلحة العرب يجد ترحيباً في الساحة العربية. وهذا يفسر إقبال العرب على كل ما هو تركي، بينما يتوجس العرب إلى حد كبير من كل ما هو إيراني، رغم أن الحسابات عند الطرفين أساسها المصلحة الذاتية، ولهذه النقطة تفصيل فيما بعد.
لفت النظر تعليق أردوغان على نتائج الانتخابات بأنها تعمق الديمقراطية وهي لمصلحة تركيا والشرق الأوسط، وأن الناخبين صوتوا لانتصار لبنان عام 2006 على العدوان الإسرائيلي، وانتصار غزة على المحرقة الإسرائيلية فيها عام 2009 وانتصارا لحق القدس في الانتصار لهويتها. وهكذا صار دعم الموقف العربي ضد إسرائيل موقفاً شعبياً في تركيا وليس مجرد قرار سياسي من قيادتها وأظن أن توحش إسرائيل خاصة ضد شهداء أسطول الحرية والسفينة التركية أفي مرمرة قد حفر في الذهن الشعبي التركي هذه الصورة لأمد طويل، بل صارت قيدًا حتى على الحكومة إن تجاوزتها في علاقتها مع إسرائيل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي