اختيار أمين عام جامعة الدول العربية والعرف الدولي
قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاستثنائي الذي عقد في القاهرة يوم الثلاثاء 15/5/2011 اختيار وزير الخارجية المصري الدكتور نبيل العربي أمينا عاما لجامعة الدول العربية خلفا لعمرو موسى، على أن يبدأ عمله الجديد في 1/6/2011، وذلك بعد أن تم الاتفاق بين مصر وقطر على أن تسحب قطر مرشحها عبد الرحمن العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، وأن تسحب مصر مرشحها الدكتور مصطفى الفقي، الدبلوماسي والبرلماني المصري السابق وترشح شخصا آخر لوجود تحفظات على شخص مصطفى الفقي من بعض الدول العربية خاصة السودان، فضلا عن أن ترشيحه كان محل تحفظ بعض قوى الثورة المصرية لأنه من رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وترتيبا على ذلك رشحت مصر الدكتور نبيل العربي لمنصب الأمين العام للجامعة، وقد حظي هذا الترشيح بإجماع توافقي بين كل الدول العربية، وانتهت بذلك معركة اختيار الأمين العام، ولكن الجدل حول (مصرية) منصب الأمين العام لم ينته بعد. ونحاول في هذا المقال أن نتناول بإيجار هذه المسألة في ضوء أحكام ميثاق جامعة الدول العربية والعرف الدولي فنقول ما يلي:
أولا: طبقا للمادة (12) من ميثاق الجامعة العربية، يُعين الأمين العام بقرار من مجلس الجامعة بموافقة أغلبية ثلثي الأعضاء، وقد تم تعيين الأمين العام الأول عبد الرحمن عزام في ملحق لميثاق الجامعة وذلك لمدة سنتين ثم تقرر في النظام الداخلي للأمانة العامة الذي أقره مجلس الجامعة في عام 1946 بأن تكون مدة الأمين العام خمس سنوات قابلة للتجديد، ثم قررت المادة الثانية من نظام (مؤتمر القمة) الذي أقره القادة العرب في عام 2000 بأن يدرج تعيين الأمين العام للجامعة ضمن اختصاصات مؤتمر القمة. ونظرا لأن ولاية الأمين العام عمرو موسى تنتهي في نهاية أيار (مايو) 2011، ولم يكن بإمكان القادة العرب اختيار خلف له قبل انتهاء ولايته، لأن مؤتمر القمة الذي كان من المقرر عقده في بغداد في آذار (مارس) الماضي قد تأجل بسبب ما تشهده بعض الدول العربية من ثورات وانتفاضات شعبية، فقد فوض الملوك والرؤساء العرب وزراء الخارجية باختيار الأمين العام الجديد الذي يخلف عمرو موسى.
ثانيا: جرى العرف بأن يختار الأمين العام من بين مواطني دولة المقر (مصر). وظل هذا العرف جاريا حتى عندما تقرر تعليق عضوية مصر، ونقل مقر الجامعة مؤقتا من القاهرة إلى تونس عام 1979، على أثر توقيع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات معاهدة سلام منفرد مع إسرائيل، حيث اختير أحد مواطني دولة المقر المؤقت، وهو الشاذلي القليبي وزير الثقافة والإعلام التونسي الأسبق، أمينا عاما للجامعة خلفا لمحمود رياض الذي استقال من منصبه. وعندما استقال الشاذلي القليبي في أعقاب أزمة غزو العراق لدولة الكويت واحتلالها في عام 1990، وتقرر عودة الأمانة العامة للجامعة إلى مقرها الأصلي في القاهرة اختير الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصري الأسبق أمينا عاما للجامعة، وبذلك ترسخ العرف الجاري أن يكون الأمين العام من مواطني دولة المقر. وقد تولى الأمانة العامة حتى الآن سبعة أمناء، ستة من مصر (دولة المقر الدائم) وهم عبد الرحمن عزام، عبد الخالق حسونة، محمود رياض، أحمد عصمت عبد المجيد، عمرو موسى، نبيل العربي. وواحد ـــ كما سلفت الإشارة ـــ من تونس (دولة المقر المؤقت) وهو الشاذلي القليبي. وجميع الأمناء المصريون تبوأوا في دولتهم منصب وزير الخارجية قبل توليهم منصب الأمين العام ما عدا الأمين العام الأول عبد الرحمن عزام الذي كان أحد كبار الدبلوماسيين المرموقين في وزارة الخارجية المصرية، فضلا عن أنه كان خبيرا في الشؤون العربية.
ثالثا: ترتيبا على ما سبق يثور التساؤل هل العرف الذي جرى منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 بأن يختار الأمين العام من مواطني دولة المقر يعتبر عرفا ملزما؟
للإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن المادة (38) من نظام محكمة العدل الدولية حددت مصادر القانون الدولي فجعلت العرف المصدر الثاني بعد المعاهدات، وطبقا لنص الفقرة (ب) من المادة المذكورة، فإن المقصود بالعرف هو العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دلّ عليه تواتر الاستعمال، ولذلك يشترط غالبية فقهاء القانون الدولي توافر ركنين لكي يكون العرف ملزما، الأول هو الركن المادي، ويقصد به التكرار الممتد المستمر لذات التصرفات، والركن الثاني هو الركن المعنوي ويقصد به الاعتقاد بالصفة الملزمة للعرف الذي نشأ بتوافر الركن المادي.
ولا شك أن الركن المادي للعرف الذي جرى بأن يختار أمين عام جامعة الدول العربية من مواطني دولة المقر متوافر من تكرار اختيار الأمين العام من مواطني دول المقر خلال (66) عاما، أي منذ تاريخ تأسيس الجامعة حتى الآن.
أما الركن المعنوي وهو الاعتقاد بالصفة الملزمة لهذا العرف فيمكن أن يقال في هذا الصدد رأيان، الأول أن الركن المعنوي لهذا العرف متوافر لأن السير على مقتضى هذا العرف لأكثر من (66) عاما قد أصبح قاعدة قانونية ملزمة.
ويزكي هذا الرأي ويدعمه أن لبنان قدم طلبا في عام 1957 لتعديل النظام الداخلي للأمانة العامة، بحيث ينص على عدم جواز تعيين الأمين العام من رعايا إحدى الدول الأعضاء أكثر من مرتين متواليتين ولم يتقبل مجلس الجامعة هذا الاقتراح بقبول حسن، وبقيت القاعدة العرفية سارية المفعول. والرأي الثاني أن تكرار اختيار الأمين العام من مواطني دولة المقر لم يقترن بالاعتقاد الملزم بهذا العرف، بدليل أن بعض الدول العربية سبق أن رشحت أحد مواطنيها لشغل هذا المنصب، فمثلا رشح السودان رسميا في عام 1968 جمال محمد أحمد وكيل وزارة الخارجية السودانية آنذاك ليخلف عبد الخالق حسونة، كما أن قطر ـــ كما سبقت الإشارة ــ رشحت في عام 2011 عبد الرحمن العطية ليخلف عمرو موسى، فهذه الترشيحات دليل على أنه ليس من اللازم أن يكون الأمين العام مصريا، لأنه لو كان لازما أن يكون مصريا لحدث استنكار لتلك الترشيحات لمخالفتها قاعدة عرفية ملزمة. يضاف إلى ذلك أن يوسف بن علوي بن عبد الله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في عُمان، صرح لجريدة ''الشرق الأوسط'' بتاريخ 17/5/2011 بأن تدوير منصب الأمين العام سيأتي بعد خمس سنوات، أي بعد انتهاء ولاية الدكتور نبيل العربي، ويمكن الرد على هذا الرأي بأن عدم الموافقة على أي مرشح من غير دولة المقر دليل على وجود الصفة الملزمة للقاعدة العرفية بأن يكون الأمين العام من دولة المقر. أما بشأن تصريح الوزير العماني حول تدوير منصب الأمين العام بعد خمس سنوات، فيمكن الرد على هذه الحجة بأن البادي من هذا التصريح أنه رأي شخصي، لأنه لم يقل إن الدول العربية اتفقت على العدول عن هذه القاعدة العرفية وتدوير منصب الأمين العام بعد انتهاء ولاية الدكتور نبيل العربي.
وبصرف النظر عن توافر أو عدم توافر الصفة الملزمة للقاعدة العرفية السالفة الذكر، ففي تقديري أنه ينبغي أن يشغل دائما منصب الأمين العام أحد أبناء دولة المقر (مصر) لما لهذه الدولة من وزن وثقل بشري وثقافي وعسكري وموقع استراتيجي لا يضارع في العالم العربي، فهي صلة الوصل بين المشرق العربي والمغرب العربي، ولها تأثير سياسي كبير في المجالين العربي والإقليمي، يضاف إلى ذلك أن جامعة الدول العربية ليست مجرد منظمة إقليمية وإنما هي منظمة قومية، ومن الطبيعي أن يكون الأمين العام من مواطني أكبر الدول الأعضاء (مصر) التي يقع على كاهلها أعباء وواجبات خاصة حيال قضايا الأمة العربية. وتخصيص منصب الأمين العام لمصر لم ولن يحرم الجامعة من الاستفادة من ذوي الكفايات من مواطني الدول العربية الأخرى، فمناصب نائب الأمين العام والأمناء المساعدين تتداول بين مواطنين من هذه الدول.