المنافسة الاقتصادية بين الواقع والمأمول
الفطرة هي القاعدة الخام التي توجه الفرد خاصة إذا لم تلوثها الظروف أو تعبث بها البيئة المحيطة، وكل ما هو حول الفرد يؤثر فيه إيجابا مع اتجاه الفطرة، أو سلبا ضد اتجاهها، وقد تبدأ الفطرة في التأثر منذ كون الفرد رضيعا لا يتجاوز العام، وأبسط مثال لذلك إذا تركت الأم طفلها يبكي بكاء شديدا مقابل حصوله على الغذاء هو أمر يغذي لديه الشعور الرمزي بالعدوانية، ويكبر الطفل ويزداد المحصول الذي يكتسبه من البيئة.
ولعل المنافسة من أهم السمات التي تتأثر بسرعة من المحيط الخارجي، وتبدأ المنافسة السلبية التي يتشربها الفرد من الأسرة بحركات لا يتوقع الوالدان أن تترك أثرا في النفس، مثل الانحياز غير المقصود لابن دون آخر، حتى ولو بشيء رمزي بسيط كالقبلة، وقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه النقطة ونهى عنها، لما تخلقه من روح العداء والحقد والبغضاء بين الإخوان، وهذا البغض سرعان ما يدفع الفرد إلى البحث عن حيز ولو بطرق سلبية للحصول عن القدر نفسه من المكافآت الرمزية وغير الرمزية، ويكبر الفرد وتكبر معه تلك المشاعر السلبية في المنافسة، ويتحول بعد ذلك إلى لص يسرق فرص المنافسة من غيره، ليظهر عبرها متجاهلا في كثير من الأحيان البحث عن شرعية تلك الطرق أو عدم شرعيتها، وفي كل الأحوال هو لن يستقر طالما لم يشعر بنشوة ما يسميه (انتصارا)، وكلما حصلت الندرة اشتدت معها قوة المنافسة، لدرجة قد تصل تلك المنافسة إلى تدمير الغير أو القتل أحيانا.
أما الاقتصاد هو الميدان الأعلى في تمثيل وتجسيد مختلف أنواع المنافسات السلبية والإيجابية، وعلى الرغم من وجود قوانين في كل دولة من الدول تحكم الميدان الاقتصادي بصورة تصب في خدمة المجتمع، إلا أن غرس التنافس السلبي في النفس من الصغر هو أمر يتجسد في الميدان الاقتصادي على هيئة احتكار وغش واحتيال، فعلى الرغم من أن أبجديات نجاح الاقتصاد تشير إلى الموازنة بين العرض والطلب بين طرفي محور البائع والمشتري، إلا أن ذوي النفوس التنافسية المريضة يحولون تلك اللغة الاقتصادية الناجحة إلى صورة نظرية بحتة، ولا يتحقق لهم الإشباع النفسي والمادي إلا بتجاوزها ومخالفتها، ومهما كانت الجوانب المادية مهمة في تجسيد الدخل الاقتصادي للفرد إلا أن الطريقة التي تثمر ذلك الدخل الاقتصادي هي الأهم في كل المعايير الإنسانية، بل حتى وفق محك الصحة النفسية، فليس من المنطقي كبح المنافسة كرغبة بشرية في الريادة والتميز كما فعلت تلك الأنظمة الوضعية الممثلة في النظم الاشتراكية والشيوعية، ولكن المنطقي هو تقنين طرق المنافسة ذاتيا بدلا من التلاعب على القوانين.