لغة إنتي روح ، أنا في يجيب

في استراليا حيث أدرس حالياً, لو استمعت إلى مقابلة في مذياع , أو شاهدت فيلماً في قناة أو تحدثت مع طفل في السادسة , أو حضرت محاضرة أكاديمية , لن تسمع خطأ نحوياً , قد تقع على كلمات عامية , و قد تلاحظ تفاوتاً في البلاغة , لكن لن تجد خطأ نحوياً ..

هل هذا يعود إلى برامج النحو التي يدرسها الطلاب في استراليا ؟ الجواب : لا , لأنه منذ عشرين سنة , توقفت استراليا عن تعليم النحو , لأن الطلاب يتعملونه من خلال الممارسة.

ما يفعله الناس هنا , هو عين ما كان يفعله العرب في الجاهلية , لم يكن لدى العرب ” ملحة الإعراب “ أو ” ألفية ابن مالك ” لكن لم يكونوا يلحنون , لأنهم تشربوا اللغة بنحوها و صرفها , قلت مرة لصديق و كنا نتحدث مع طفل استرالي , نحن الآن نصنع ما كان يصنعه الأصمعي عندما يذهب إلى البادية يلتمس اللغة من الأطفال و العجائر.

و الآن دعونا نلقي نظرة عاجلة على بلد منبع العروبة , و لنتأمل حال عامل أو سائق أجنبي قدم إلى السعودية , ماذا تكون لغته العربية بعد أن أمضى عشر سنوات و قد أحتك مع عرب أقحاح ؟ الجواب : " أنتى روح , أنا في جيب , أنت كثير مشكل , أيش فيه صديق ! "

بل وصل الأمر إلى أن العجمة دخلت على أبنائنا , قريبة لي – كان عمرها أربع سنوات – غضبت مرة على أخيها فقالت له : يا كلبة ! ليش تشوف أنا ما فيه سروال ؟ تريد أن تقول : يا كلب , لا تنظر إلي بدون سروال! , بغض النظر عن المستوى الخطاب , تصوروا إلى أين وصلت العجمة !

كيف السبيل لأن نتحدث لغتنا الفصحى ؟ أظن نحن لا نستطيع ذلك , لكن أطفالنا قادرون عليها ,و هذه بعض المقترحات :

1 . ما بين سن الرابعة و السادسة , يوفر للطفل مواد سمعية و بصرية متنوعة ما بين ترفيهي , تعليمي , يتربوي , بلغة فصحى جميلة , أحد أقاربي عندما كان في الرابعة كان يشاهد أفلام الكرتون بصورة كبيرة , إلى درجة أنه لم يكن يتكلم إلا الفصحى , و عندما دخل مع أخي لمحل تجاري و سأله ما ذا تريد ؟ قال : أريد البوضة !

للأسف تلاشت هذه الفصحى بعد دخول المدرسة ..

2 . في المرحلة الإبتدائية , يذهب الطالب إلى حلقات تجويد متميزة , يضبط من خلالها مبادىء التجويد و يحفظ مقداراً طيباً من القرآن , بحيث تكون مخارج الحروف لديه سليمه. أليس من العار أن تجد طلاباً سعوديين في الجامعة لا يحسنون قراءة القرآن ؟

3. تحسين مناهج تدريس النحو بتقريبها من الواقع , درسني في الجامعة مدرس نحو يعتمد طريقة ضرب الأمثلة من القرآن و أشعار العرب ..

مثلاً يقول الفاعل يرُفع بالضمة إذاكان اسماً مفرداً أو جمع تكسير أوجمع مؤمنث سالم مثلاً ” قال الله لا تتخذوا إلهين اثنين” ” قالت الملائكة “ .. و يُرفع بالأف إذا كان مثنى ” قال رجلان من الذين أنعم الله عليها”

طريقته هذه تربط النحو بالواقع , و تجعل الطالب يتلمس النحو في كل ما يقرؤوه أو سمعه.

4 . الإعراب يتعمد على نطق الحرف الأخير من الكلمة , يذكر بن خلدون أنه مع كثرة تعلم الأعاجم للعربية , تراخى العرب في نطق الحرف الأخير من الكلمة فسقط النحو , لذلك أرى أن تكون الصحف و الكتب مشكلة , بحيث يتربى اللسان – بشكل غير مباشر – على النحو.

5. إنشاء معجم حديث , لا يفصل بأوقات الليل أو أسماء الناقة ! فهذه للمختصين , يرتب بشكل موضوعي ..مثلاً فصل لمصطحات الطب , الزراعة , الفلك , المطار , الطعام .. توضع فيه الكلمات مع تعريف لها و أمثلة ..

ما ذكرته من مقترحات , لا تكفي في النهوض بعربيتنا , لكن هي محاولة , أيضاً ليس هناك جهة واحدة تستطيع العمل بها كلها , و إنما بالتعاون بيننا ..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي