مخاطر الفتنة الطائفية في مصر
شهدت مصر ولا تزال أحدثاً طائفية مؤسفة فيما تناقلته وكالات الأنباء حول عدد من الأحداث في القاهرة وغيرها، مما أعاد إلى الأذهان المسلسل نفسه الذي كان ممتداً قبل ثورة 25 يناير. ولذلك يجرى البحث الآن عما إذا كانت هذه الأحداث يمكن أن تنتشر فتؤدى إلى حرب أهلية دينية، وعما إذا كانت تلك مؤامرة على مصر حتى لا تقوم لها قائمة بعد رحيل النظام السابق. نلقى في هذه المقالة الضوء على هاتين النقطتين. فقد أطلت الفتنة الطائفية في مصر منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وأرجعها الباحثون إلى أسباب ولكنها كانت تخبو وتظهر من حين إلى آخر، ثم تحولت إلى اعتداءات مباشرة على الكنائس وخاصة في المناسبات الدينية. وكان أكبر هذه الحوادث هو تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية في الساعات الأولى من عام 2011. وإذا كان الشحن الطائفي المتبادل والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتحمل بعض المسؤولية، فلاشك أن البعد الخارجي يتحمل الجزء الآخر من المسؤولية. ويبدو أن البعد الخارجي الذي يتعمد الإضرار بمصر يستغل الأوضاع الداخلية ويذكي مشاعر التوتر والتيارات المتطرفة. وقد اعترف مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يالدين بأن إسرائيل استخدمت معاهدة السلام مع مصر لإشعال الفتنة الطائفية وتدمير المجتمع المصري ضمانا لعجزها عن القيام بأي دور يضر بإسرائيل، ولذلك فإن الفتنة كلما أطلت تذكر الناس هذا الموقف من جانب إسرائيل، وهى أحداث تشبه تماماً ما كان قائماً قبل الثورة مع فارق واحد وهو الزج ببعض التيارات الدينية كسبب من أسباب الفتنة.
والملاحظ للمشهد المصري يرى بوضوح أن مناخ الحرية الذي يعقب الثورة لا يقابله المستوى نفسه من الوعي والمسؤولية، كما أن السلطات في مصر تنهمك في أولويات الإدارة ومواجهة المشكلات المتفجرة مما أدى إلى تفاقم مشكلة الأمن بعد أزمة قوات الشرطة مع الشعب المصري، وعدم التوصل إلى صيغة نهائية مأمونة للجهاز الأمني الجديد، فأدى ذلك إلى الشعور بعدم الأمن، وأثر ذلك في السياحة والاستثمار والأمن العام وخاصة أن السجناء قد تجرأوا على إدارات السجون مثلما شجع ذلك الخارجين عن القانون على الاستخفاف بالأمن. ترتب على ذلك أن اعترف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن مصر تتعرض لمؤامرة من الداخل والخارج، كما أن الشعب المصري خرج في مليونية جديدة يوم الجمعة الماضي يطالب بالحزم في تطبيق القانون، بينما حذر المجلس الأعلى من مخاطر الانفلات الأمني. مخاطر هذه الحالة لا تخفي ويمكن أن تسبب أضرارا بالغة لمصر في هذه المرحلة فتعوق إنشاء نظام سياسي جديد، وتترك مصر بين نظام تساقط، وبين نظام يرجو الظهور. اقترح البعض تمديد المرحلة الانتقالية إلى عامين يتولى خلالها الجيش السلطة وليس الإدارة. وشكك آخرون في خطر إدخال الجيش العملية السياسية ورأوا أن الحل يبدأ بتعيين حكومة قوية يساندها الجيش، وإعادة عاجلة لجهاز الشرطة، وإصدار دستور جديد، وتمديد الفترة الانتقالية، حيث تسمح بظهور القوى الجديدة في تنظيمات حزبية لتنافس القوى القديمة التي توشك أن ترث المسرح السياسي من النظام القديم. مصر في حاجة إلى ترتيب بيتها قبل أن تقوم بدورها في المنطقة والعالم.