بين العنقري والسريحي

توقفت كثيرا عند التقرير الإخباري الذي نشرته جريدة ''الحياة'' في 27/4/2011 عن حادث غرق المبتعث السعودي مشاري السريحي (الشهيد ـــ بإذن الله)، لما جاء في ثناياه من دروس وعبر تستحق التأمل. إذ شرع التقرير أمامنا نافذة نطل منها على حياة شهيد اتسمت ''بالبساطة والطيبة والحنان وحب الناس جميعا بغض النظر عن أديانهم''، كما جاء على لسان والده. وقد شاء الله تعالى لمشاري أن يختم حياته بعمل صالح بأن ضحى بنفسه في سبيل إنقاذ جاره وابنه، وهما على غير ملته، بعد أن انقلب بهم القارب أثناء رحلة صيد في إحدى بحيرات ولاية أوهايو الأمريكية. ومن فضل الله تعالى كُتبت الحياة لذلك الابن ونجا من موت محقق إثر الجهد الخارق الذي بذله البطل مشاري لانتشاله من قبضة الأمواج إلى بر الأمان.
غير أن برودة مياه البحيرة، كما جاء في التقرير، أصابت مشاري بتشنج في العضلات، الأمر الذي حال دون أن يكمل مهمته في الوصول إلى الأب، وأدى في النهاية إلى غرق الاثنين معا. بالطبع لم تشفع لمشاري في ذلك الموعد مع القدر خبرته في الغوص أو ألفته القديمة مع البحر في مسقط رأسه ''جدة''.
تلك الخاتمة الحسنة والتفاني في إغاثة الإنسان الملهوف، أيا كانت عقيدته، لم تكن العبرة الوحيدة في قصة مشاري السريحي، بل كانت حياته عامرة بالأعمال الصالحة وعلى رأسها المواظبة على الصلاة وصلة ذوي الأرحام. فقد كان قلبه متعلقا بالمسجد، ولا سيما في شهر رمضان المبارك وما اختص به من صلاتي التراويح والتهجد. ولم ينس والد مشاري أن يذكر في حديثه لـ ''الحياة'' بعضا من السجايا الأخرى الجميلة التي تربى عليها ابنه الشهيد منذ نعومة أظفاره. من تلك السجايا الشعور بالمسؤولية في سن مبكرة، إذ باشر العمل في محال والده منذ أن كان عمره 13 ربيعا.
لم تكن تلك نهاية قصة مشاري السريحي، إذ أخذت والدته المكلومة بيدنا إلى قصة أخرى كان هو طرفا فيها وكانت أيضا نموذجا لحسن الخلق والأمانة في العمل. فعلى الرغم مما حلّ بتلك المرأة من مصاب بفقدان فلذة كبدها، إلا أنها حرصت في ذلك الموقف على توجيه رسالة لوزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري ''شاكرة له استجابته لطلبها عندما زارته في مكتبه في جدة طالبة ضم ابنها للبعثة الدراسية، فبادرت الملحقية بالاتصال بابنها في أقل من 24 ساعة''، مؤكدة للوزير العنقري ''لن أنسى ما فعلته مع ابني وأسأل الله أن يكون ذلك في ميزان حسناتك، ولن أنساك من الدعاء''.
تلك الاستجابة الكريمة والمذهلة في سرعتها ليست حالة نادرة اختص بها طلب والدة مشاري فحسب، بل هي واحدة من بين مئات إن لم تكن آلاف الحالات الأخرى المشابهة فيما خبره أو سمعه الكثير من المواطنين عن صنائع الوزير العنقري وإدارته الإنسانية لبرنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث. ذلك البرنامج غير المسبوق في حجمه وعمقه بات إحدى أهم الخطوات التي أقدمت عليها الدولة في السنوات الأخيرة ضمن منظومة الإصلاحات الاقتصادية والتعليمية التي يقودها الملك عبد الله. إذ سيفتح للمملكة آفاقاً واسعة للحاق بمقدمة الركب في بناء حضارة المستقبل، وسيبني كوادر مؤهلة قادرة على العمل في بيئة منافسة متعددة الأطراف في شتى مناحي الحياة.
وأرى من المناسب هنا أن أسجل ما رأيته مصادفة في صيف عام 2001م في قاعة فندق''The Charles Hotel'' في مدينة كامبردج الأمريكية في إحدى زياراتي لجامعة ''MIT''. إذ لمحت جمعا كبيرا من الطلبة والطالبات السعوديين ملتفين حول الوزير العنقري. وقد علمت فيما بعد من بعض الذين حضروا ذلك اللقاء أن كل من تقدم يومها بطلب لضمه للدراسة على حساب الدولة ووُفق على طلبه في حينه وخرج مسرور الخاطر. وقد يكون من بين الذين حضروا ذلك اللقاء من يقرأ هذه السطور ويستعيد ذكرى تلك المناسبة وما كان لها من أثر على مسيرة حياته.
إن صنائع خالد العنقري تذكرّنا أن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس. وصدق المصطفى عليه الصلاة والسلام '' إنكم لن تسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسط الوجه وحُسن الخلُق''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي