ما وجدنا عليه آباءنا

في إقليم ناءٍ في الصين كان يعيش أحد الفلاحين في كوخ ولديه حمل صغير، وفي ذات يوم كان الفلاح يعمل مستغرقا في حقله، فاشتعلت النيران داخل الكوخ المصنوع من الخشب، والتهمت كل ما في داخله بما في ذلك الحمل الصغير الذي لاقى حتفه مشويا بالنيران، وعندما عاد الفلاح إلى بيته اكتشف الكارثة التي حدثت، وتجول داخل الكوخ بحثا عن شيء يمكنه الاستفادة منه، فوجد جسم الحمل مشويا تفوح منه رائحة شهية جدا، فأمسك الرجل بقطعة منه وبدأ في تذوقها ففوجئ بلذة المذاق ووجده لذيذا جدا.
سارع الفلاح إلى استدعاء أصدقائه من المزارعين المجاورين لمشاركته في تذوق الحمل المشوي واستمتعوا جدا بأكله، ومنذ ذلك الحين انتشر خبر الحمل المشوي في القرية وأصبح طبقا شهيرا، وعندما كانوا يرغبون في تناوله، فإنهم كانوا يقومون باختيار كوخ ما ثم يضعون الحمل بداخله ويشعلون النار في الكوخ حتى يحترق بأكمله، ثم يخرجون الحمل المشوي ويستمتعون بتناوله.
يتبنى معظم الناس عديدا من الاعتقادات عن أنفسهم وحول الحياة بأسلوب المزارعين، حيث يصرون على عدم تناول الحمل المشوي إلا إذا وضع داخل الكوخ، انطلاقا من مبدأ "ما وجدنا عليه آباءنا"، ولم يكلفوا أنفسهم أحيانا فرصة التساؤل عن عقم هذه الأساليب، وجدوى العيش بهذه الاعتقادات، وهل بالإمكان تناول الحياة والحمل المشوي بأساليب عملية أكثر.
لقد عاب القرآن على تقليد الآباء والأجداد، وتعظيم عقائدهم وعاداتهم، وفي ذلك دليل أكيد على أن القول والفعل لا يستمدان قيمتهما من أقدمية الزمان الذي قيل وفُعل فيه، بل من مدى اقترابهما من الحق وقدرتهما على الصمود في وجه أسئلة الفكر المتجددة، ولكن تطبيق ذلك صعب لدى الكثير، مع وضوح منطقيته، ولذلك فهم يستمرون في تبني أسلوب الحمل المشوي في التفكير، لأن العقل البشري لا يملك المرونة الكافية عند كثير من الأشخاص لمناقشة أفكاره ونقدها بشجاعة، والتخلص من تلك القناعات التي أكل الدهر عليها وشرب.
وكما يقوم جميعنا من حين لآخر بجرد دواليبنا وأمتعتنا وصناديقنا لتفحص مدى جدواها ومدى ملاءمتها مع مقاساتنا واحتياجاتنا الحالية والتخلص مما لا يناسبنا منها، فنحن بلا شك بحاجة أكثر إلى عملية "جرد أمتعتنا الفكرية" للتخلص من الأفكار الضيقة التي لم تعد تناسب مقاسنا، واكتشاف الاعتقادات العقيمة غير الصالحة للاستخدام، حتى لا نضطر إلى ممارسة الحياة ونحن نرزح تحت حمل أمتعة ثقيلة عقيمة لا تفيدنا، بل على العكس تعيق سرعتنا وتكبل انطلاقتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي