في النظر إلى مساكن الآخرين عبرة لمن يعتبر

ظهرت فكرة هذا المقالة، وبدأت في وضع نقطاها الأساسية خلال رحلتي الأخيرة إلى هونغ كونغ. وقد زرت خلال هذه الرحلة هيئة إسكان هونغ كونغ، وتجولت في معرضها الدائم للتعريف بالإسكان في هونغ كونغ. وهيئة الإسكان في هونغ كونغ هيئة حكومية تعمل في مجال توفير الإسكان منذ منتصف القرن الميلادي الماضي. وخلال العقود الستة الماضية طورت هيئة إسكان هونغ كونغ جودة الوحدات السكنية المخصصة للإيجار أو للتمليك، وفي كل مرحلة من مراحل التطوير كانت الوحدات السكنية تتحسن درجة إلى الأفضل من ناحية التصميم، أو المتانة، أو توفير أساليب الراحة للسكان، أو العناية بالبيئة، أو ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه وغيرها.
أعتقد أن كل من يتابع قراءة هذه المقالة يحدث نفسه: بأن كل ما سبق ذكره أمر متوقع من هيئة لديها ما يقارب الستين عاماً من الخبرة والتجارب المتراكمة، ويتساءل عن المغزى من كتابة هذه المقالة، والهدف منها، ومدى أهميتها؟ ومع قراء "الاقتصادية" الكرام الحق كله في التساؤل والاستغراب، فما كتبتُ المقالة للتعريف بهيئة الإسكان في هونغ كونغ وذكر محاسنها وإنجازاتها، وإن كانت الكتابة في مثل هذا الموضوع قد تدفع بنا للعمل بشكل أفضل في مجال الإسكان، ولكن ما شد انتباهي بعد زيارة هيئة إسكان هونغ كونغ، وسيطر على تفكيري، ودفعني لكتابة هذه المقالة، هو مساحة تلك الوحدات التي يبلغ عددها قرابة سبعمائة وحدة سكنية، ويعيش فيها أكثر من خمسين في المائة من الأسر في هونغ كونغ، وتستوعب قرابة مليوني نسمة.
أعتقد أنكم متشوقون لمعرفة مساحة هذه الوحدات السكنية، أقصد الشقق السكنية، فجميع الوحدات السكنية التي توفرها هيئة الإسكان في هونغ كونغ هي شقق سكنية، بدأت بعمائر من ستة أدوار لتصل إلى أبراج يبلغ ارتفاعها أربعة وأربعين طابقاً. وأعتقد أيضاً أن معرفتكم بمساحتها سوف تفاجئكم، كما فاجأتني، ويجعلكم تفكرون مرة بعد مرة في مساكننا التي نسكنها، أو التي نرغب في الحصول عليها، ويسيطر الهم والتفكير المستمر ليلاً ونهاراً على الكثير منا من أجلها. فمساحة تلك الشقق السكنية تراوح بين (16 و 60) متراً مربعاً. نعم، لا يوجد خطأ مطبعي أو شيء من هذا القبيل، فالأرقام صحيحة، مساحة الشقق تراوح بين ستة عشر إلى ستين متراً مربعاً فقط. وهي شقق فيها ما يحوي غرفة نوم واحدة، وما يحوي غرفتين، وما يحوي ثلاث غرف. ويسكن في هذه الشقق أسر يتكون بعضها من ستة أفراد أو أكثر. علماً بأن توزيع الفراغات في الشقق المؤجرة، وتحديد عدد الغرف فيها، يتم من قبل المستأجر وعلى حسابه الخاص.
إن ما سيطر على تفكيري منذ زيارة هيئة الإسكان في هونغ كونغ ومعرضها الدائم، ومعرفة هذه الحقائق، وحتى كتابة هذه المقالة، هو مقارنة مساحات تلك الشقق السكنية بمساحات المجالس والصالات وحتى غرف النوم في غالبية مساكننا. ولن أحدثكم عن تفاصيل هذه المقارنات، وإنما سأترك لكم المجال لإجراء مقارناتكم الخاصة، واكتشاف بعض الأسباب التي تعوق الكثير من الأسر السعودية من امتلاك المسكن بمقدرتها المالية الذاتية، ومن دون الحاجة إلى الانتظار الطويل من أجل الحصول على الدعم الحكومي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي