العمران الإلكتروني.. هل نحتاج معه إلى بلدية؟

لم يعد يخفى على أحد أهمية التحول الإلكتروني في جميع المجالات، وعلى سبيل المثال تعد التجارة الإلكترونية أنموذجا يحتذى به، فهي اليوم تتكامل لتنتج عالما جديدا في قطاع الأعمال يختلف كليا عن سابقه، إذ تستطيع اليوم أن تدخل إلى جميع البنوك عبر شبكة الإنترنت، وتتصل معها إلكترونيا، ويتاح لك أن تدير أموالك ومدخراتك إلكترونات تسبح وتتنقل في أجهزة البنوك، ومن حساب إلى آخر، ومن جهاز إلى آخر من غير مساس حسي لأموالك يمكنك إدارتها والتعامل معها بأسهل وأفضل مما كان سابقا، وهو تحول كبير في عالم المال والأعمال.
كما تتطلع الحكومات أيضا إلى أن تصبح إلكترونية، إذ باتت تضع بوابات يلج الناس زرافا ووحدانا من خلالها، ولذا تجد في حكومات الدول المتقدمة أنها غدت اليوم حكومات إلكترونية تدير أعمالها من خلال أنظمة إلكترونية تتصل بكم هائل من حواسيب وتنتقل معلوماتها بسلاسة عبر شبكات تتصل بشبكة الإنترنت لتتصل بمواطنيها ومن يرغب في مخاطبتها إلكترونياً.
أما في مجال العمارة والعمران فيمكن أن يصبح العمران إلكترونيا أيضا، ولكن تبدو الإلكترونات العمرانية أبطأ من إلكترونات الدوائر الحكومية، فهي لا تسير بسرعة تتناسب وطبيعة أعمالها ومستوياتها، وحين نقسم العمران إلى مستويات، فإن المستوى الأول، الذي يعد أهم الأقسام هو المستوى الذي يستهدف التخطيط العمراني للمدينة أو القرية بكاملها. وتأتي أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) لتستوعب هذا التخطيط، ولتساعد في تحويل المعلومات إلى إلكترونات لذلك المستوى تسبح في فضاء الشبكة العنكبوتية، ويستفيد منها كل مريد.
وإننا اليوم على أعتاب عصر المعرفة إن لم نكن في باحته وفنائه، ونحن بالتأكيد تجاوزنا خلال العقود الماضية عصر المعلومات، ولذا ففي عصر المعرفة يفترض أن تكون المعلومات أدخلت على هذه النظم، وهي مكتملة وصحيحة، وتحدث بطريقة سهلة وسلسة، ولكن الملاحظ في كثير من المدن هو أن كل جهة تبني GIS مختلفا تماماً عن الجهة الأخرى، ما يسبب في النهاية أن الإلكترونات بين تلك الجهات لن تتزاوج مطلقاً! فلا المعلومات العمرانية التي لدى المصالح الحكومية تتطابق مع بعضها البعض، فلا بد من التنسيق بين تلك الجهات حتى يتسنى لنا أن نشاهد عمرانا إلكترونيا للمدينة يكون متكامل الجوانب ينساق الإلكترون بين الجهات، ولا ينساق موظفوها لمسح مدن مرات عدة!
ولعلي في هذا الصدد أثني على تجربة الهيئة العليا لمدينة الرياض التي تبذل جهودا في توحيد نسق النظم الجغرافية لتصبح خريطة الرياض نسقا واحدا لكل جهة، وهي جهود مشكورة في توحيد هذا النسق لمدينة بحجم الرياض حتى لا تمسح الرياض من عدة جهات (الكهرباء، المياه، الأمانة، الهاتف، المساحة العسكرية، «أرامكو»... إلخ)، وأن ذلك يعد وفرا اقتصاديا كبيرا للدولة حينما تقوم الهيئة بهذا الجهد وتعطي كل جهة إمكانية الدخول لهذه الخريطة والعمل على طبقة خاصة لكل جهة بدل أن تعمل كل جهة نفس العمل الذي تقوم به الجهة الأخرى.
أما المدن الأخرى فلست أعلم أن هناك جهة تعمل بنفس نسق الهيئة العليا لتطوير الرياض، ولعل من المناسب أن تكون تجربة الرياض هي مثال يحتذى به لكل مدن المملكة بدل أن تهدر الأموال لإدخال المعلومات من كل جهة، وفي المحصلة نجد أن هناك بونا شاسعا بكل خريطة وأخرى.
ولعل من الجدير ذكره هنا، ونحن نشاهد فواجع السيول على بعض المدن كمدينة جدة أن نعيد بناء المدينة إلكترونيا قبل وبعد بناء المساكن على الأرض، ونستطلع من خلال النظم على معرفة طبوغرافية الأرض من خلال إدخال المخططات السابقة لمدن المملكة، ونتعرف خلالها على الأودية والمجاري، وكيف يمكن إزالة تلك العوائق ودراسة كل المؤثرات التي يمكن أن تحدث افتراضيا وحلها، إذ هذي هي المعرفة التي نتطلع لها والفائدة المرجوة من تلك المعلومات ونظمها.
إن البناء العمراني الإلكتروني المعلوماتي للمملكة بشكل كامل يحتاج إلى وحدة أو جهة تقوم بالتنسيق بين الجهات هو المفترض في مثل هذه الأنظمة، حيث إن تلك الأنظمة إذا ما تم غلقها وصيانة الأمان فيها توفر على الدولة أموالا طائلة في تحليل المعلومات، واستخراج البيانات، ورسم الخطط الاستراتيجية المستقبلية لكل عمران، وقبل أن تباع الأرض تظهر عند كاتب العدل أن هذه الأرض لا يمكن بيعها والبناء عليها ولا التصرف فيها، إذ إنها مجرى للسيول.
أما على المقياس الأصغر في العمران فهو المنزل، فإن الإلكترونات اقتحمته، ولعلي أفرد له حديثا مستقلا، حيث إن الحاسوب اليوم لمس جوانب كثيرة من حياتنا، واستطاع أن ينفذ إلى مساكننا التي نعيش وسطها فكيف ومتى وأين يظهر ذلك الأثر في تلك المساكن؟ ومن لم يدرك ذلك، فإن عليه أن ينتظر حتى تمر إلكترونات من الطريق الذي يسلكه ليسألها عن هذا الأثر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي