لماذا أحياؤنا السكنية فقيرة عمرانياً؟
تحوّل المجتمع السعودي من مجتمع يستوطن غالبية سكانه الأرياف والبادية إلى مجتمع غالبيته العظمى من سكان المدن، ونمت لذلك مدننا واتسعت بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية. وقد استعين في البدء بالشركات العالمية المتخصصة لوضع المخططات الرئيسة لنمو بعض مدن المملكة وتطويرها. وتهدف المخططات الرئيسة للمدن إلى تحديد ملامح المدينة ضمن محدداتها البيئية من أودية وجبال وسواحل وغيرها، واتجاه النمو فيها، وهيكلها العام، وشبكة طرقها الرئيسة، ومختلف مناطقها السكنية والخدمية والصناعية والتجارية والترفيهية (مثل: الشريط التجاري في مدينة الرياض، أو الواجهة البحرية في مدينة الخبر)، إضافة إلى حدود الأحياء السكنية ومواقعها. وقد حُولت مهمة إعداد المخططات الرئيسة للمدن مع مر السنين إلى إدارات متخصصة في وزارة الشؤون البلدية والقروية أو في هيئات التطوير والأمانات. وتطورت أعمال تخطيط المدن لتتعدى التخطيط المكاني ''المادي'' للمدينة إلى التخطيط الذي يأخذ في الحسبان العوامل والمقومات الثقافية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية للمدينة وسكانها في صياغة استراتيجيات التخطيط. وقطع التخطيط في بعض المدن شوطاً كبيراً حتى وصلت مدينة الرياض إلى وضع مخطط استراتيجي شامل يضع صياغة لرؤية مستقبلية للمدينة للأعوام الخمسين القادمة.
كما يوجد لدينا على مستوى التصميم المعماري الكثير والكثير من المباني العامة والخاصة وحتى المساكن المتميزة بجمالها وجودة تصميمها المعماري، وهو ما أهلها إلى أن تظهر على صفحات المجلات المعمارية العالمية والمحلية. ولكننا لا نزال نفتقد جودة التصميم العمراني لأحيائنا السكنية بما يمثله من حلقة وصل بين تخطيط المدن والتصميم المعماري للمساكن والمباني الأخرى.
إن التصميم العمراني لأحيائنا السكنية لا يزيد على مخططات لتقسيمات الأراضي بطريقة ميكانيكية خالية من أي روح أو إبداع عمراني، فغالبيتها لا يحوي أكثر من مجموعة من الطرق المتعامدة التي تحدد عدداً من ''بلكات'' الأراضي الكبيرة التي يتم تقسيمها إلى قطع سكنية، دون أي مراعاة لخصائص موقع الحي وتضاريسه ومكوناته من العناصر الطبيعية التي تراعي مصارف المياه الطبيعية، أو العوامل البيئية وتأثيرها، أو متطلبات السكان الثقافية والاجتماعية، أو الإحساس البصري الجمالي داخل الحي.
لذا فلا غرابة في أن نجد غالبية أحيائنا السكنية تفتقر إلى الفراغات العمرانية (من: الساحات والميادين والحدائق) التي تتكامل مع الشوارع لتشكل عنصراً أساسياً في نسيج الأحياء السكنية بما توفره للسكان من حرية الالتقاء والاجتماع مع بعضهم. وتفتقر إلى وسائل النقل الآمنة والسهلة والمتنوعة ابتداء بممرات المشاة وانتهاء بالنقل العام الجيد والمنتظم. وتفتقر إلى العناصر البصرية الجمالية التي تثري الحي وتجعل عملية التنقل داخله رحلة ممتعة مليئة بصور التفاصيل الطبيعة والمعمارية ومشاهدها الجميلة. وتفتقر أيضاً إلى العناية بمصارف المياه الطبيعية وما يقام حولها من حدائق ومتنزهات لمزاولة المشي والرياضة.
أستاذ العمارة والإسكان