انفصال جنوب السودان .. اعترفَ به قبل أن يتم

حينما كتب الروائي السوداني الطيب صالح روايته ''موسم الهجرة إلى الشمال''، لم يطرأ على باله أن هذه الرواية قد تصور وضعاً سيعيشه بعض أبناء الشعب السوداني عندما يتم انفصال الجنوب، الذي أصبح محسوماً، قبل أن يتم الاستفتاء في التاسع من يناير المقبل، فالطيب صالح رحل عن هذه الدنيا سليماً معافى من رؤية هذا الوضع المحزن لبلد كريم وعزيز على النفس، كان من المفترض أن يكون سلة خبز للعالم العربي، لا موطن صراعات سياسية وعرقية، استفادت منها أطراف دولية وإقليمية تسعى إلى إضعاف عالمنا العربي أكثر مما هو ضعيف.
والحديث عن وجود مؤامرات دولية لتمزيق أجزاء من الوطن العربي إلى دول عدة أو دويلات، أو أن بذرة الانفصال وُضعت أيام الاستعمار البريطاني، كل ذلك لا يعفي الحكومة السودانية، ولا أطراف المعارضة من أنها تتحمّل جزءا كبيراً من المسؤولية، فالحكومة السودانية وقعت في أخطاء فادحة، وقدّمت الشعارات على ما يبحث عنه المواطن من عيش كريم، والمعارضة قدّمت مصالحها الذاتية على مصلحة السودان، فكانت النتيجة ما نراه الآن من ترحيب بهذا الانفصال قبل أن يتم، وهذا الترحيب لم يقتصر على الرئيس عمر البشير، الذي يمكن أن ندرك أنه حُصر في زاوية من الصعب الخروج منها، وأن انفصال الجنوب قد يكون هو المخرج لوضعه المتأزم، ولكن من قبل آخرين صوروا الانفصال بأنه سينعكس إيجاباً على السودان، رغم أن انفصال الجنوب قد يقود إلى أزمات أخرى تتعلق بالمياه أو بالموارد أو الحدود، أو إلى تحريك شهية أجزاء أخرى، مثل إقليم دارفور للانفصال، خاصة أن الهيئات الدولية والدول المانحة ستسارع إلى تقديم مساعدات كبيرة للجنوب، ثم تتركه يواجه مصيره، كما فعلت في أجزاء أخرى من العالم، كانت ملء السمع والبصر قبل الانفصال، ثم طواها النسيان.
انفصال السودان كان واضحاً أنه أمرٌ مفروغٌ منه منذ القمة العربية التي عُقدت في ليبيا، حيث كانت الكلمات والمواقف، سواء من الرؤساء الحاضرين، أو من الجامعة العربية، تشير إلى أن هذا الانفصال أمرٌ قد حُسم، وأخطر ما في الانفصال هو ردة الفعل العربية التي لا تتوافق مع خطورة الحدث، سواء على مستوى الشعوب، أو على مستوى الحكومات، فالتبسيط من أمر الانفصال، أو جعله حلاً للمشكلات، يحمل من الخطورة على عالمنا العربي الشيء الكثير.
والسؤال المطروح: كيف سيكون موقف الدول العربية من هذا الانفصال، هل ستسارع إلى الاعتراف بالدولة الجديدة، أم ستراعي شعوبها القلقة من هذا الانفصال، والخائفة من تبعاته، لفترة من الزمن على الأقل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي