سري للغاية

إلى سنوات ليست بالكثيرة، كان وزير الإعلام في أي دولة من الدول، هو الرجل الأكثر معرفة بأسرار الدول الأخرى، عبر ما يرده من تقارير وأخبار سرية، وحينما يدخل اجتماعاً وهو متأبط ملفه الإعلامي الذي يحوي أخباراً غير متاح الاطلاع عليها لغير كبار المسؤولين، كان مصدر غيرة من بقية الوزراء الذين يرون أن لديه من المعلومات ما يقربه من المسؤول الأول، بل ويجعله ذا حظوة لديه، وكان كثير من الوزراء وكبار المسؤولين يسألون وزير الإعلام عن آخر الأخبار والتقارير حول ما يستجد من أحداث.
هذا الوضع تراجع كثيراً منذ دخل الإنترنت حياة الناس، وأصبح متاحاً للناس الاطلاع على أسرار لم تكن بعض أجهزة الاستخبارات سابقاً تستطيع الوصول إليها إلا بعد عناء.
في عالمنا اليوم تكاد تنتهي النشرات الخاصة أو السرية، وأصبح ما يعلمه وزير الإعلام أقل مما يعلمه كثيرٌ من الناس ممن يتابعون الأحداث عبر مصادر كثيرة ومتنوعة، بل أصبح الإنسان البسيط القابع أمام جهاز الكمبيوتر ويتنقل بين محركات البحث ومواقع الأخبار والمنتديات على شبكة الإنترنت، يعلم عن قضايا وأحداث ما لا يعلمه كثيرٌ من المعنيين بتتبع هذه الأحداث، بل أصبح متاحا له أن يتفاعل معها ويبدي رأيه حيالها.
وثائق الخارجية الأمريكية التي ينشرها موقع ويكيليكس، لو نشرت قبل عقدين من الزمن لكان صداها مجلجلا، ولنتجت عنها مواقف سياسية متأزمة بين كثير من الدول، ولكن نشرها الآن، وبعد أن روضت وسائلُ الاتصال المتلقين، واعتاد الناس على الاطلاع على الأسرار، بل الفضائح أحيانا، أصبح الاهتمام بها يندرج ضمن حب الاستطلاع، والرغبة في معرفة ما كان يجري في الغرف المغلقة.
الإعلام اليوم خرج من المحلية والقدرة على السيطرة على محتوى ما ينشر فيه إلى دوائر أوسع، إقليمية ودولية، وهي دوائر لا يمكن السيطرة عليها. لهذا السبب نجد أنه من المهم التعاطي مع الإعلام وما ينشر عبر وسائله بأسلوب مختلف تماماً عن السابق، فالمعلومة السلبية التي تنشر، يمكن الاستفادة منها إيجاباً من خلال توظيفها التوظيف السليم، بدلا من تجاهلها، أو نفيها، كما أصبح من المهم توظيف الصورة بشكل واسع واحترافي، بعد أن فاقت الصورة سواء الثابتة أو المتحركة في أهميتها وتأثيرها الخبر.
الإعلام سلاح خطر يؤذي من لا يحسن التعامل معه، حتى لو كان تابعاً له، لكنه في المقابل سلاحٌ قادرٌ على تغيير اتجاهات الرأي العام، إذا ما أتقنت إدارته، وأحسن توظيفه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي