الأمير سلمان.. نموذج للمسؤولية الثقافية

يُعرف عن سمو الأمير سلمان، أمير منطقة الرياض، دعمه لكل ما هو ثقافي، وتؤكّد مواقفه، وأحاديثه، ومجالسه الخاصة والعامة، على ثوابت أساسية، في هذا الخصوص، وعلى ثقافته الواسعة، ولا سيما في التاريخ والأنساب، والدراسات الإنسانية عامة. ومعروف عن سموه أيضًا القراءة الجيّدة، والإنصات اللبق، والحوار والمناقشة المتمكّنة.. وتؤهله مهاراته الشخصية، وإنجازاته المتواصلة والمستمرة، ليكون نموذجًا للمسؤولية الثقافية.
ولعل جهود سموه الكريم، في دارة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك فهد الوطنية خاصة والمشهد الثقافي الوطني بصفة عامة، تؤكّد على هذه المسؤولية الثقافية؛ وهذا ليس غريبًا عن جهود سموه الكريم، حفظه الله؛ لأن كل مجتمع، يسعى إلى تعجيل نموه الثقافي؛ تتولى ولايته العامة الاهتمام بالمكتبات والكتاب، فتقيم الكيانات بوصفها بوابات المعرفة والانفتاح على ثمرات منجزات التقدم الإنساني، التي يتخلق بهما بيئة الحوار الخصب والاستقصاء والكشف والفتح والإبداع؛ تكون هذه الولاية العامة، الإرادة الباحثة عن المصلحة العامة، والدافعة للعقل الفردي والجماعي إلى إبداع ثقافته، وصياغتها التي تحدد كيان المجتمع علي صورتها ومثالها؛ ليصبح المجتمع منتجًا للثقافة.
فمثلاً دارة الملك عبد العزيز، التي أنشئت عام 1392هـ؛ عرفانًا بجهود الملك المؤسّس عبد العزيز ـــ طيب الله ثراه ـــ وتخليدًا لذكراه، كهيئة علمية، تاريخية، تضاهي مراكز الدعم العلمي والأبحاث والدراسات العالمية متنوعة المناشط في إطار استراتيجية واضحة وأهداف محددة ـــ لم تشهد فترتها الذهبية إلا في ظل رئاسة سموه الكريم لمجلس إدارتها، حيث وضع سموه الكريم نُصب عينيه، مجموعة من الأهداف الأساسية لتطويرها، من أهم مجابهة التحدي الرقمي، ومواكبة الثورة المعلوماتية التي تجاوزت آثارها أنحاء عدة من العالم المتقدم.. ؛ فسعت الدارة، بتوجيهات سموه الكريم، إلى اجتياز الهوة الفاصلة بين الثقافة التراثية وعالم تقنية المعلومات، وهو ما ظهر في مشروعات تراثية، عدة، تطمح إلى المزج بين الأصالة والمعاصرة في أسلوب جديد ومبتكر.
وفي إطار توجيهات سموه الكريم، ووفق الأهداف الطموحة، وسعيًا إلي بلوغ غاياتها، استطاعت الدارة أن تخطو خطوات طيبة، يلمسها مرتادوها، من ذلك شبكة المعلومات التاريخية الوطنية الإلكترونية التي تتكون من عدد من القواعد المعلوماتية للأحداث والصور التاريخية للسعودية منذ تأسيسها حتى الآن وكذلك للوثائق والمخطوطات الوطنية والأجنبية وقاعدة معلومات عن الملك عبد العزيز في الصحافة العربية والعالمية وكذلك المحلية، وغيرها من المواد العلمية الإلكترونية المتجددة التي تدعمها وتحدثها أقسام الدارة وأعمالها بصورة مستمرة.
وما إقامة الدارة للمعرض الأول لــ(تراث المملكة العربية السعودية المخطوط)، برعاية كريمة من لدن الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، ورئيس مجلس إدارتها، بمقر الدارة، أواخر شهر المحرم الجاري، بمشاركة عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية والمكتبات الخاصة في المملكة وخارجها ــ ويشارك 65 مؤسسة وفرداً في المعرض الذي يستمر لمدة شهر ونصف الشهر يعرضون خلاله أكثر من ثلاثة آلاف مخطوطة في مختلف العلوم والمعارف منها مخطوطات في العلوم الشرعية، واللغوية، والأدبية، ومخطوطات في علوم التاريخ، والفلك، والجغرافيا، وغيرها ـــ إلا دليل على اهتمام سموه الكريم بكل ما من شأنه خدمة حركة البحث العلمي وإبراز التراث الفكري السعودي المخطوط للباحثين والباحثات والمهتمين ومختلف الفئات العلمية والاجتماعية في المجتمع كمسار يعكس الجوانب الأخرى المصاحبة للتاريخ الوطني، وما حظيته العلوم مبكرًا من الدولة السعودية: دعمًا وتأليفًا، وإنتاجًا.. كان وقود حركة البحث العلمي المزدهرة في وقتنا الحالي.
والمتأمل لمثل هذه الفعالية؛ وغيرها من الفعاليات الثقافية المهمة، يلحظ أن المبادرات التي يطرحها سموه الكريم، هو رهان علاقة مثقف مسؤول بالناس، والرأي العام، يضخ الحياة فيما هو مكتوب، ويمنحه ـــ تداولاً وقراءة، وإتاحةً ـــ لفعل الحضور.
ويبقى التعويل مهمًا على دور الثقافة والمثقفين والمفكرين؛ لبلورة رؤى فاعلة؛ لتطوير الوعي الوطني بالدور والموقع والإمكانية، وأن يُستمد رهانهم من مواقف أمير منطقة الرياض، التي يُضرب بها المثل في التعامل مع الرأي العام : شؤونه وقضاياه ومعاملاته كافة.
وهذا – في رأيي ـــ يعد ميدان العمل الحقيقي، حيث تتوافر الممارسة النقدية لمعطيات علاقات سموه دينيًا وسياسيًا، واقتصاديًا واجتماعيًا..، التي تؤكّد صلة التلازم بين الثقافة والتنمية والتحديث والتطوير؛ وانطلاقًا من ذلك؛ فإن الممارسة الثقافية المسؤولة لسموه الكريم، تتم على ساحة المشترك الوطني، التي تتعامل مع منطق الأحداث والمستجدات، وتراعي ما طرأ من متغيرات في شبكة الوجود الاجتماعي، وتأثيراتها في الداخل، دون التمترس خلف تصورات مطلقة في غير مساءلة لهذه التصورات عما تطرحه من إيجابيات واستحقاق في شؤون الواقع الاجتماعي ومستقبل الناس وحاضرهم، ورفض الاشتغال علي صياغة المقاربات لفك التعارضات، بتنمية الفكر وتحريره، وإعادة تشكيله.
لذلك فقد كشف سمو الأمير سلمان ـــ تواصلاً مع دور سموه الثقافي الفعال والمسؤول في حديثه لدى ضيوف معرض الرياض الدولي للكتاب الأخير، عن عمق رؤيته لما يطرح على المستوى الثقافي ليس كمسؤول ورجل دولة، وإنما كمثقف، وتحدث بلسان المثقف الذي يقرأ ويناقش ما يقرأه من أفكار، ويحاور المؤلف من خلال كتابه، مرتكزًا إلى ثروة معرفية في مجالات شتى مكنته من أن يقرأ بعين الفاحص المتأمّل الذي يعرض ما يقرؤه على معاييره الموضوعية، دون أن يُصادر حق الكاتب في بيان موقفه.
وقد لامس سموه الكريم في حديثه للمثقفين، بوصفهم حَمَلةَ مسؤولية إنتاج المجتمع نفسه، ورعاة تطوير وعيه إيجابيا بالعالم من حوله، وحراس إعادة فحص واقع وتثمين مستقبله، والمهمومين بممارسة الاشتغال الدائم علي صفة العلاقات المتبادلة بين الفرد والمجتمع ـــ لامس جملة من القضايا المهمة.. بدأها بتقدير جهود المؤلفين لتكريس المعرفة، وتجلية الحقيقة، ورفع معدلات الوعي العام، وأشار إلى عناية المملكة بالكتاب كمدخل رئيس للثقافة، وحرصها على الانفتاح على كل صنوف المعرفة، والمقاربة بين الثقافات كجزء من مشروعها الإنساني ومساعيها الخيرة في بث ثقافة السلام بين الشعوب، من خلال الحث على احترام المبدأ الرئيس الذي تنتهجه المملكة حكومة وشعبًا في كل سياساتها وعلاقاتها الدولية، وهو التزام مبدأ الوسطية الذي كرّسه الإسلام لهذه الأمة. وطالب بالبعد عن التطرف والغلو، والتطرف المضاد الذي يقود إلى التفريط.
نحن في حاجة إلى دور رشيد لحركتنا الثقافية، يستلهم مواقف سموه الثقافية، حتى تتفاعل مع مسيرتنا التنموية في ضوء ما تحقّق من نهضات ملموسة؛ وفي برامج التطوير والتحديث والإصلاح، التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، متّعه الله بالصحة والعافية، على الأصعدة كافةً، سواء على المستويات كافةً؛ حيث باتت بطاقة فعل الثقافة التغييري في شتى مستويات المجال الاجتماعي؛ أمرًا معرفيًا معرفيًا، سائدًا كفكرة مركزية في عالمنا المعاصر. ولا يستقيم أي دور اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي للحركة الثقافية، ما لم تكن الولاية العامة، ضامنة للثقافة، لتنهض بدور الوسيط الطبيعي بين إبداع الثقافة واستيعابها لدى جمهور المتلقين، وكذا إنشاء السياق المؤسسي الذي يتبنى السياسات الثقافية والأنظمة، حيث يستطيع هذا السياق المؤسسي، جنبًا إلى جنب مع تشييد البنيات والمؤسسات الثقافية، ووسائل النشر والإشهار والاتصال التي تتمتع بقابلية الرأي العام، وهو الدور نفسه، الذي يعكس ما يقوم به أمير منطقة الرياض، حفظه الله ورعاه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي