«فيفا» بين مطرقة النجاح وسندان الفضائح

لقد ظل الكثيرون من أصحاب النفوس المريضة وبعض الحادبين الجاهلين بقطر ورجالاتها في العالم العربي يضعون أيديهم في قلوبهم؛ خوفا من أن يكون الملف القطري قد تلوث بقضية الرشوة، لكن كما توقعنا بذلك، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم براءة ملف قطر، ولا توجد أدلة بين الملفين القطري والإسباني - البرتغالي حول تبادل الأصوات للتصويت على اختيار البلدين المضيفين لنهائيات كأس العالم 2018 و2022، وكان الاتحاد الدولي قد فتح تحقيقا في تشرين الأول (أكتوبر) 2010 حول اتفاق محتمل بين الملف المشترك لإسبانيا والبرتغال وملف قطر حول تبادل الأصوات، ونحن ثقتنا في رجالات قطر الممثلين بحضرة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر وولي عهده الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والحكومة الرشيدة وأبناء قطر المخلصين، الذين عاهدوا الله وأنفسهم أن يرفعوا اسم قطر والعرب عاليا في جميع المحافل الدولية والرياضية، وبكل أفراد الشعب القطري الكريم الذين قطعوا العهد على أنفسهم أن يصولوا ويجولوا ليعرّفوا العالم أجمع بإمكانات وقدرات قطر، وأن هذا البلد الصغير في حجمه والكبير في معناه يمتلك العقول النيرة التي تبدع والسواعد العاملة التي تنتج والجرأة في التفكير والتنفيذ ويسيرون في الطريق القويم، فهم ليسوا في حاجة إلى أي طرق ملتوية أو دعم مخالف للأخلاق والأنظمة والقوانين، ومن هنا كنا نحن على ثقة ونعيش في راحة واطمئنان بال، متأكدين من نزاهة وبراءة ملف قطر؛ لأن ثقة رجالات قطر في الله وفي إمكاناتهم ودعوات كل العالم العربي لهم بالتوفيق ستدعم هذا الملف النزيه القوي المستحق لهذه الاستضافة بجدارة.

#2#

هذا وكانت جريدة ''صنداى تايمز'' البريطانية الشهيرة قد نشرت تحقيقا استثنائيا ورائعا قام به صحافيون في الجريدة بعدما تنكروا في هيئة وسطاء للولايات المتحدة الساعية لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم والتقوا باثنين من أعضاء اللجنة التنفيذية لـ ''فيفا'': آموس أدامو، النيجيرى، الذي طلب رشوة قدرها 800 ألف دولار.. ورينالد تيماري، رئيس اتحاد أوقيانوسيا، الذي طلب مليونين و300 ألف دولار.. النيجيري قال للوسطاء إنه يريد بهذا المبلغ بناء أربعة ملاعب في نيجيريا، لكنه رغم ذلك يريد المبلغ في السر وبشكل شخصي بعيدا عن أي طرق رسمية.. ورئيس اتحاد أوقيانوسيا قال إنه يسعى لبناء أكاديمية رياضية وسيعطى صوته لمن يدفع له أكثر.. على أن يدفع له المبلغ بشكل شخصي أيضا.. حتى ينجح في بناء هذه الأكاديمية.. ونشرت ''صانداي تايمز'' كل هذه الحوارات والمطالب بعد أن سجلها الوسطاء المزيفون الذين هم في حقيقة الأمر صحافيون إنجليز ينشدون الحقيقة.. وفوجئ المسؤولون في ''فيفا'' بما نشرته الصحيفة العريقة.. وأصدر ''فيفا'' بيانا يؤكد فيه أن لجنة الأخلاق تتابع عن قرب وبمنتهى الاهتمام السباق بين الدول المتنافسة على استضافة مونديالي 2018 و2022.. وأن اللجنة ستحقق فيما نشرته ''صانداي تايمز'' لضمان عدم تلقي أي رشاوى أو عقد أي صفقات تؤثر على قرار سائر أعضاء اللجنة التنفيذية أثناء عملية التصويت.. وكانت الاتهامات التي تحوم حول ستة من الأعضاء بتلقي رشاوى وهدايا وتفجرت القضية في أعقاب التمثيلية التي قام بها اثنان من الصحافيين في إنجلترا؛ للكشف عن الفساد داخل الإمبراطورية وأعطى جوزيف بلاتر التعليمات بإجراء تحقيقات موسعة للقضاء على الفساد ومعرفة المشبوهين داخل الإمبراطورية الكروية العالمية.. ومعرفة من يتقاضى الرشاوى.. والذي يعتبر إساءة ما بعدها إساءة لـ ''فيفا'' كله.

وقد أعلن ''فيفا'' من خلال إصدار لجنة الأخلاق التابعة له في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2010م عقوبات تراوح بين عام وأربعة أعوام بحق ستة أعضاء، وهم المالي أدمو والتونسي سليم علولو واهونجالو من تونجا وفوسيمالوهي بالإيقاف لمدة ثلاثة أعوام، مع تغريمهم عشرة آلاف فرنك سويسري (7400 يورو)، وأوقف تيماري التاهيتي لمدة عام واحد مع غرامة خمسة آلاف فرنك سويسري وإسماعيل بامجي لمدة أربعة أعوام مع غرامة مالية عشرة آلاف فرنك سويسري، على ألا يمارسوا أي نشاط رياضي فني أو إداري دوليا أو قاريا خلال مدة الإيقاف.

دعونا ندخل في دهاليز هذه الإمبراطورية ونستعرض جزءا من الفساد، كما يعتقد البعض، في هذه الإمبراطورية التي شغلت العالم وسيطرت على مجريات كثير من الأحداث، وكما ذكرت في مقال سابق، فإن كل منظمة ناجحة لا بد أن تكون لديها إخفاقات، والإنجازات الكبيرة التي حققها ''فيفا'' لا بد من أن تصاحبها إخفاقات، لكن الحكم للقارئ الكريم، حيث يوزن الأمور حسب الإنجازات التي تحققت والإخفاقات التي حدثت بشكلها ومضمونها ورائحتها، فمن المؤكد أن هناك فسادا في أروقة ''فيفا''.. مثلها مثل كل المنظمات في جميع أنحاء العالم أو ربما فساد يمكن أن يعيش ويدوم في مناطق أخرى من العالم الثالث دون مقاومة حقيقية ودون إعلام قادر على كشف الحقائق ومحاربته وأصحابه وتغييرهم.. لكن في ''فيفا'' لن يبقى هذا الفساد طويلا.. وقد لا نستطيع كلنا الآن كشف كل الوقائع والحقائق والملابسات وأساليب تنفيذ هذا الفساد، لكن سيأتي ذلك اليوم أو ربما لا يأتي إن كانت هذه الإمبراطورية بذاك العفاف والطهارة.

#3#

وبالرغم من التكتم الذي يفرضه ''فيفا'' على وسائل الإعلام في تعاطيها مع كواليس الجهاز الكروي، حيث إنه يتعامل بشكل انتقائي مع الإعلام، من خلال تفضيل مجموعة من العناوين دون غيرها، والحال ينطبق على توزيع المعلومة والحوارات؛ فالمعروف عن بلاتر أنه لا يمنح أسبقية الحوار إلا لقلة قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة من أصدقائه الصحافيين، في مقدمتهم الصحافي السويسري والتر لوتز، غير أن التكتم زاد من فضول الإعلاميين لمعرفة المزيد عن كواليس ''فيفا''، من هؤلاء صحافيان صنعا الحدث عبر تحقيقات معمقة عن الجهاز الكروي الدولي صدرت في كتب أثارت زوبعة في عالم الاقتصاد والرياضة على حد السواء، ويتعلق الأمر بكل من الصحافي البريطاني، أندور جانينجس، مؤلف كتاب التحقيق، ''بطاقة حمراء لـ ''فيفا''، الخفايا المشبوهة لـ ''فيفا''، والصحافي الكندي، ديكلان هيل صاحب ثاني كتاب تحقيقي بعنوان ''كيف تغش في مباريات كرة القدم''، والكتابان يفضحان سلسلة من الممارسات الفاسدة في كواليس إدارة الاتحاد الدولي لكرة القدم ففي كتاب، بطاقة حمراء لـ ''فيفا''، يسرد الصحافي المحقق كيف أن ''فيفا'' تحول من جهاز تنظيم منافسات كروية إلى جهاز (مافيوي) يسعى للربح المادي بكل الطرق، أكثر من ذلك يفضح الصحافي البريطاني استغلال المناصب لتوسيع الثروات الفردية للأعضاء النافذين في الاتحاد، كل ذلك على حساب أخلاقيات المنافسة الرياضية.

وفي كتاب التحقيق (بطاقة حمراء لفيفا، الخفايا المشبوهة لفيفا) الذي قدمه الكاتب في كتاب يتجاوز 400 صفحة، أن الطاقم النافذ في الاتحاد لا يتوانى في التلاعب بنتائج المباريات وقرعة المباريات والدول المستضيفة للمنافسات المهمة، على حسب ما تقتضيه المصلحة، ويذهب كاتب التحقيق إلى أبعد من ذلك من خلال تأكيده على أن إدارة ''فيفا'' باتت تسخّر صورة الاتحاد وكرة القدم لمجرد الربح المالي، فقد أشار إلى أن حقوق البث التلفزيوني للمباريات المهمة يذهب جزء كبير منها لجيوب الأعضاء النافذين، مثلما حدث من خلال منح قناة ''تيفي قلوبو'' البرازيلية حق بث المونديال المنصرم بقيمة جاوزت 60 مليون دولار لم تصل لحساب الاتحاد، وهو أسلوب شائع، حسب الصحافي الذي أكد أنه تم تحويل أكثر من ملياري دولار بهذا الأسلوب خلال فترة ترأس بلاتر، حيث يتم خلق شركات وهمية وحسابات بنكية مزيفة لتحويل الأموال، ويواصل التحقيق بخصوص المعاملات المالية المشبوهة بالتأكيد أن بلاتر فاز بالانتخابات بعد توزيعه 50 ألف دولار لعدد من رؤساء الاتحادات الكروية؛ لضمان تصويتهم لصالحه. والكتاب يضم قائمة طويلة من الممارسات من هذا القبيل، ممارسات تتجاوز مخيلة عشاق كرة القدم، فقد امتدت لخلق بلاتر شركات خاصة يمنحها صفقات ضخمة يتجاوز حجمها ملايين الدولارات، مثلما هو الحال مع شركة ''إنفرونت سبورت أند ميديا أج''، التي يشغل بلاتر بها منصب الرئيس/ المدير العام، مع العلم أنها تهتم بالتسويق لكأس العالم، حيث تتم الاستفادة من كل منتج يوضع عليه شعار كأس العالم في كل مكان عبر العالم من أهم الصفقات المشبوهة التي كادت تهز عرش بلاتر، تلك المتعلقة بشركة إي إس إل، التي أنشئت عام 2001 ترأسها قبل إعلان إفلاسها هورست داسلر، الذي يعمل مديرا في شركات الملابس والمعدات الرياضية أديداس، فقد كانت الشركة تملك صندوقا أسود في حساب مصرفي سري في ليشنشتاين تحول فيه الأرباح قبل إعلان الإفلاس الرسمي من طرف محكمة كانتون زوج السويسرية، ورغم المتابعة القضائية، إلا أن الملف أغلق في ظروف غامضة.

من جهة أخرى، أنجز الصحافي الكندي، ديكلان هيل تحقيقا لا يقل أهمية عن التحقيق البريطاني ضمه في كتاب بعنوان ''كيف تغش في مباراة كرة القدم؟''، جاء فيه عدد من الشهادات لفاعلين، سواء في إدارة ''فيفا''، فيهم من فضَّل الحفاظ على سرية الهوية، إلى جانب عدد من اللاعبين والحكام السابقين الذين يؤكدون على نهج ''فيفا'' منح الرشاوى المالية لضمان نتائج بعض المباريات الكروية. فالجزء الأول من الكتاب عنونه بـ: ''كيف تتعرف على مباراة مغشوشة؟'' ليكون الجواب: ''حين ترى حارس مرمى يقوم بعكس ما يجب القيام به، حين تشاهد لاعبا يدخل هدفا بالخطأ في مرماه، حين تشاهد حكما يمنح بطاقة حمراء دون سبب، أو يبعد أحسن لاعب عن التشكيلة في المستطيل الأخضر دون سبب واضح...''، لينتقل إلى أساليب أكثر دقة تتعلق بالطاقم الفني واللاعبين على حد سواء، أجنحة فخمة في الفنادق، منح مالية خيالية غير مبررة.. وغيرها من أساليب الترغيب قد أعطى الصحافي الكلمة لعدد من اللاعبين الذين وجدوا أنفسهم في خضم هذه ''المعمعة'' المالية مقابل أن يتراجعوا في الأداء في اليوم الموعود، وهو ما أكده اللاعب الغاني ستيفان أبياه، الذي أكد أن بعض الأشخاص اتصلوا به وعرضوا عليه أموالا مقابل عدم تسجيل أهداف في مباراة تجمع فريقه مع ألمانيا، المثير أن الاتحاد الغاني سارع لتكذيب تصريحات اللاعب والتشكيك فيه.

وهنا نذكر بعضا من تلك الإخفاقات أو المخالفات، إن جاز التعبير:

كان المدرب التشيكي أول من تحدث عن شكوكه حول القرعة الخاصة بمونديال جنوب إفريقيا، حيث عاد للحديث عن المجموعات التي جاءت مرتبة بشكل تعطي الأفضلية لبعض الفرق؛ لضمان المرور للدور الثاني دون جهد. وهي الشكوك التي رافقتها شائعات تداولاتها بعض الصحف العالمية بخصوص كرات وأوعية الزجاج المخصصة لإجراء القرعة، فقد جاء ذِكر أن الكرات داخل الوعاء الزجاجي كانت عبارة عن كرات ساخنة وأخرى باردة، وأن هذه الكرات الباردة قد خصصت لمجموعتي ألمانيا والبرازيل، وقد اعترف بلاتر بلسانه بأنهم فضلوا وضع البرازيل وألمانيا في مجموعتين متباعدتين؛ حتى يتجنب هذان الفريقان ملاقاة بعضهما البعض في أدوار البطولة الأولى، وقد ذكرت الصحف الألمانية أن مجموعة البرازيل في 2002 كانت الصين وكوستاريكا وتركيا، وفي 2006 كرواتيا واليابان وأستراليا؛ ما يفتح باب الشك واسعا في نزاهة القرعة.

ثم عادت صحيفة تشيكية لتؤكد أن الكرات داخل الكرة الزجاجية كانت عبارة عن كرات ساخنة وأخرى باردة، وأن هذه الكرات الباردة قد خصصت لمجموعتي ألمانيا والبرازيل، ولفتت الصحيفة أنظار القراء إلى أن ألمانيا والبرازيل قد حققتا 9 من 9 في الدور الأول، بينما لم يحصل فريق آخر على هذا الرقم، ووضعت مقارنة بسيطة بين مجموعة ألمانيا ومجموعة الأرجنتين. ألمانيا لعبت إلى جانب بولندا - كوستاريكا - إكوادور فرق هامشية، بينما الأرجنتين لعبت مع هولندا - ساحل العاج - صربيا منتنجرو، وتساءلت الصحيفة هل كان منتخب ألمانيا سيتأهل للدور الثاني لو أن مجموعته كانت مجموعة الأرجنتين؟.. كما استفسرت الصحيفة عن سر مجموعة البرازيل في مونديال 2002 و2006 وهل هي مجرد صدفة أم أن ما يجري في كواليس ''فيفا'' أكبر بكثير من فضائح الدوري الإيطالي، وذكرت الصحيفة أن مجموعة البرازيل في 2002 كانت الصين وكوستاريكا وتركيا، وفي 2006 كرواتيا واليابان وأستراليا.

اللاعب الدولي والمدرب السابق للمنتخب الأرجنتيني دييجو مارادونا تحدث عن الاتحاد الدولي لكرة القدم بقوله إنه لم يعد يخدم اللعبة بقدر ما يخدم مصلحة المشرفين عليه، الساعين للتلاعب بأخلاقيات الرياضة بغرض كسب المال. المثير أن تهجم مارادونا لم يقتصر على رئيس الاتحاد الدولي وإنما شمل عددا من اللاعبين الدوليين القدامى، الذين باتوا ينجرون وراء الطموحات غير المشروعة لبلاتر، مثلما هو الحال مع ميشيل بلاتيني، فرانك بكنباور وبيليه، وقد كانت انتقادات الأسطورة الأرجنتيني لاذعة في حق زملائه القدامى خلال لقاء تلفزيوني، مشيرا إلى أنه قادر على الحصول على النفوذ والمال والقوة بمجرد الانضمام إلى الاتحاد الدولي، غير أنه يرفض التعامل مع بلاتر وأساليبه المشبوهة، بقوله: ''إذا كنت سأعانق الرئيس بلاتر، فإنني سأصبح واحدا من عائلة ''فيفا''، وهكذا سأصبح رجلا خجولا، بلاتيني أصبح الآن رئيس الاتحاد الأوروبي؛ لأنه كان لسنوات الطفل المدلل حليف بلاتر، في اعتقادي أن اللاعب الذي تعود على الأضواء عندما لا يذوق النجومية لبعض الوقت تقل أهميته ويبحث عن طرق لتعويض هذا النفوذ بالمال، أنا حزين جدا لما آل إليه وضع هؤلاء اللاعبين، لكنني لن أنسى أنهم كانوا لاعبين عظماء. يريد ''فيفا'' مني الانضمام إليه غير أنني غير مهتم، فهم في حاجة إلى عضو أكثر فسادا مني''.

فضيحة إهداء أستراليا عقدا غاليا من الألماس أثناء المونديال الأخير لزوجة أو صديقة كل عضو في اللجنة التنفيذية لـ ''فيفا''.

أن قائد المنتخب الإيطالي فابيو كانافارو حصل على لقب أفضل لاعب في العالم في الاستفتاء الذي أجراه ''فيفا'' عن طريق خطأ وقع فيه ''فيفا'' في احتساب نتيجة الأصوات، وأن النتيجة الصحيحة للاستفتاء هي حصول زيدان على المركز الأول في الاستفتاء. وأشارت صحيفة ''الماركا'' إلى أن ''فيفا'' أعاد فرز أصوات الاستبيان من جديد التي أظهرت فوز الفرنسي زيدان بالجائزة، بينما حل فابيو كانافارو في المركز الثاني.

اعتاد السويسري جوزيف بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ''فيفا'' مناشدة المشجعين واللاعبين والحكام في كل مناسبة التزام قواعد اللعب النظيف حتى أصبح ذلك بمثابة ''الشعار'' الرئيس في كل حديث له، لكن الفضائح التي كشفت عنها صحيفة ''صنداى تايمز'' البريطانية أخيرا بشأن رغبة اثنين من أعضاء اللجنة التنفيذية في ''فيفا'' في بيع صوتيهما خلال عملية التصويت على اختيار الدولة الفائزة بحق استضافة نهائيات كأس العالم 2018/2022، برهنت على أن هذا الشعار لا ينطبق على جميع أفراد ''فيفا''.

ذكر اثنان من مسؤولي كرة القدم في عام 2002، أن أشخاصا قريبين من بلاتر عرضوا مبالغ مالية من أجل حصد بعض الأصوات خلال الانتخابات التي جرت عام 1998 على رئاسة ''فيفا'' والتي فاز فيها بلاتر ليخلف البرازيلي جواو هافيلانج في هذا المنصب، وكان من بين هؤلاء محيي الدين حسن علي النائب السابق لرئيس الاتحاد الصومالي لكرة القدم، الذي اعترف بحصوله على مبالغ مالية من بلاتر.

وقال محيي الدين علي في ذلك الوقت: ''حصلنا على المال نيابة عن الاتحاد الصومالي من أجل التصويت لصالح جوزيف بلاتر في الانتخابات على رئاسة ''فيفا'' التي جرت في العاصمة الفرنسية باريس''.

وطفت على السطح ادعاءات مماثلة في انتخابات ''الفيفا'' عام 2002 التي واجه فيها بلاتر منافسه الكاميروني عيسى حياتو رئيس الاتحاد الإفريقي للعبة (كاف) ونجح بلاتر في الفوز برئاسة ''فيفا'' للمرة الثانية على التوالي.

كان أبرز موجهي الاتهام إلى بلاتر هذه المرة هو ميشيل زي روفينين سكرتير عام ''فيفا'' آنذاك، لكنه ترك منصبه في ''فيفا'' بعدها بفترة قصيرة وكان من بين مسؤولي ''فيفا'' الذين تورطوا في الفضائح أكثر من مرة جاك وارنر، نائب رئيس ''فيفا'' سابقا، الذي وجهت إليه الاتهامات بالتربح من خلال استضافة بلاده، ترينيداد وتوباجو، بطولة كأس العالم للناشئين (تحت 17 عاما) في عام 2001.

ذكر تقرير صادر من شركة إيرنست ويانج لمراجعة الحسابات أن وارنر تربح بشكل شخصي من بيع تذاكر كأس العالم وفى وقت سابق من العام الحالي، ذكرت هيئة ممثلي الادعاء في مدينة زوج السويسرية، أن عديدا من أعضاء ''فيفا'' تلقوا مساعدات من مجموعة ''آى إس إل/ آى إس إم إم'' للتسويق ولم يسلموها إلى ''فيفا''.

كان من بين المتورطين في إحدى الفضائح جيروم فالكه، سكرتير عام ''فيفا''، لكن لم توجه إليه اتهامات بالتربح، وكان فالكه مسؤولا، بصفته مديرا للتسويق في ''فيفا''، عن أزمة الرعاية لـ ''فيفا'' المتعلقة بكل من المؤسستين الماليتين ماستر كارد وفيزا، وبعد انتقال القضية إلى المحاكم، قال أحد القضاة الأمريكيين إن فالكه كذب على المؤسستين الماليتين، وبعدها رحل فالكه عن ''فيفا'' الذي قال (مفاوضات ''فيفا'' انتهكت القواعد التجارية. ''فيفا'' لا يمكنه الموافقة على هذا السلوك بين موظفيه). وألغى الحكم القضائي فيما بعد نتيجة الطعن المقدم من ''فيفا''. ودفع ''فيفا'' 90 مليون دولار إلى ''ماستر كارد'' للتنازل عن الدعوى القضائية، ورغم ذلك، عاد فالكه إلى العمل في ''فيفا'' من خلال وضع أفضل وأقوى.

وكان لدى جنوب إفريقيا الحق والمبرر لتعلن عن غضبها بعد خسارة حق استضافة بطولة كأس العالم 2006 التي خطفت ألمانيا حق استضافتها بفارق صوت واحد فقط، بينما نالت جنوب إفريقيا حق استضافة البطولة التالية التي أقيمت منتصف العام الحالي.
وحسمت ألمانيا التصويت لصالحها على حق استضافة مونديال 2006 بفضل انسحاب النيوزيلندي تشارلز ديمبسي، مندوب اتحاد أوقيانوسيا، علما بأن اتحاد أوقيانوسيا طلب منه التصويت لصالح جنوب إفريقيا في حالة خروج إنجلترا من الصراع على حق الاستضافة.
ولكن ديمبسي لم يلتزم بذلك وأعلن انسحابه من الجولة الأخيرة للتصويت ليمنح بذلك ألمانيا حق الاستضافة، علما بأن منح صوته إلى جنوب إفريقيا كان سيعادل كفة البلدين، وسيضع بلاتر في موقف صعب، حيث سيكون عليه الإدلاء بصوته لحسم الاستضافة لأحد الطرفين.

وقال ديمبسي بعد ذلك إنه تعرض ''لضغط هائل لا يمكن تحمله'' من قبل مجموعات أوروبية، لكنه اعتقد أيضا أن زملاءه في ''فيفا'' اعتقدوا أنه حصل على مبالغ مالية من جنوب إفريقيا والمثير للدهشة أن كل هذه الفضائح والاتهامات لم تتسبب في رحيل عدد كاف من أعضاء ''الفيفا'' أو مسؤوليه.

إن الاتحاد الدولي لكرة القدم حظر مشاركة منتخب السيدات الإيراني لكرة القدم في دورة الألعاب الأولمبية للشباب، بسبب ارتداء لاعباته الحجاب بالرغم أن ''فيفا'' هو الذي دعا المنتخب النسائي الإيراني للمشاركة في المباريات، ولكنه قرر رفض وضع الحجاب خلال المباريات على نحو مفاجئ.

أن سيرة بلاتر على رأس ''فيفا'' لا تخلو من تصريحات ومواقف غريبة، منها تعليقه الغريب على كرة القدم النسائية بقوله ''أعتقد أن النساء يجب أن يلبسن شورتا أضيق في وقت اللعب''، وقد أثارت تلك التصريحات انتقادات كثيرة، ولا سيما في الدول العربية والإسلامية وحتى في الغرب، حيث اعتبر أنه قرار لا يحترم خصوصيات النساء؛ لأن هذا الإجراء يخرج الرياضة النسائية عن أهدافها النبيلة، لتصبح عرضا للأجساد الناعمة تحت الأزياء الضيقة.

أعادت وزارة الرياضة في سويسرا النظر في القوانين المتعلقة بالفساد في الرياضة في أعقاب الفضيحة الأخيرة التي ضربت الاتحاد الدولي لكرة القدم ''فيفا''، وطلب وزير الدفاع والرياضة السويسري أولي مورر تقديم توصيات عنها بهدف تشديد القوانين المعنية؛ لأن سويسرا تحتضن نحو 40 اتحادا دوليا كـ ''فيفا'' والاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي للدرجات الهوائية واللجنة الأولمبية الدولية، وتحظى هذه الاتحادات بتفاهم خاص مع الحكومة السويسرية فيما يتعلق بالضرائب مثلا حتى أن ''فيفا'' مسجل فيها كجمعية لا تهدف إلى الربح.

هذه أمثلة ونماذج للاتهامات التي تطول ''فيفا''، لكن بقي السؤال المهم هو هل هذه الإمبراطورية القوية الغنية التي تتحدث مداخيلها بأرقام فلكية مغرية، خاصة إذا رأينا أن عددا كبيرا من الأعضاء من صناع القرار في ''فيفا'' والذين يقطنون في دهاليز ''فيفا'' قد تبدلت أحوالهم المالية توسعت ثرواتهم الفردية؟ أم أن أعداء النجاح والذين كثروا في أيامنا هذه قد أعماهم الحسد على النجاح الذي يحققه وحققه ''فيفا'' خلال السنوات الأخيرة؟ إن إمبراطورية ''فيفا'' يحيط بها الفساد من كل جانب وزاوية.. فهل هذا الفساد وليد أمس أم اليوم في هذه الإمبراطورية أم هو نتاج سياسة طويلة الأجل ابتكرها بلاتر منذ أن بدأ يهيمن ويسيطر على مقاليد الحكم في الإمبراطورية؟ أم هو متأصل فيها منذ عهود مضت؟

المفاهيم العامة المتعارف عليها في هذه الإمبراطورية هو إعطاء شرعية لبعض المبالغ التي تدفع كهدايا ورشاوى قانونية كتسهيلات.. وما إلى ذلك.. فهل اعتقد هؤلاء الناس أن هذا مؤشر لإعطاء الرشاوى صبغة قانونية؟ مما يتنافى مع الأنظمة والقوانين والأعراف والأخلاق! وهل المبالغ التي تدفع للاتحادات عن طريق المشاريع التي طرحها ''فيفا'' مثل مشروع قوول لا تسد رمق هذه الاتحادات وهي تشهد وترى وتسمع ولعابها يسيل من المبالغ الخيالية التي تدخل خزائن ''فيفا''؟

أم أن هذه الإمبراطورية تسبح في بحيرة داخل قلعة محصنة من الفضائح.. والمخالفات.. والرشاوى.. لا تفوح الروائح النتنة منها إلا حينما تفتح أبواب هذه القلعة؟

لقد فرض الاتحاد الدولي شخصيته الاعتبارية على الجميع وأصبح جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم أقوى من رؤساء دول العالم الثالث والثاني والأول الذين لا يتجرأون على التدخل حتى في شؤون كرة القدم في بلادهم.. فهل تهز مثل هذه الفضائح أركان عرش ''فيفا'' أم يتعامل بلاتر ومن معه بما قال الشاعر: (وإذا بليت بشخص لا خلاق له.. فكن كأنك لم تسمع ولم يقل).

وهل ستكون هذه الإمبراطورية دوما وأبدا مثار النقاش.. والاتهام.. والاختلاف حولها.. وحول خفاياها؟.. وهل ينكشف سرها في يوم من الأيام؟ الأمر متروك للإجابة على هذه الأسئلة للقراء والمهتمين والمحللين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي