التعليم في السعودية .. أين الخلل؟ (1 من 2)
التعليم العام والتعليم العالي والتعليم المهني، معاً، تشكل قطاع التعليم في المملكة، ورغم أنها كلها، مجتمعة، ترتبط بالتعليم ويفترض أنها تعمل ككتلة واحدة، إلا أنه يلاحظ أن كل الجهات المسؤولة عن التعليم تعمل بشكل مستقل عن بعضها، وخصوصاً فيما له علاقة بمشاريع تطوير التعليم. فتطوير التعليم العام، على سبيل المثال، وعلى مدى العقود الماضية، يعمل بشكل مستقل عن مشاريع تطوير التعليم العالي والتعليم المهني، مما يحد من الاستفادة من هذه المشاريع، وخصوصاً على المدى الطويل، مما يعد من أهم معوقات التخطيط الاستراتيجي. هناك علاقة استراتيجية وطبيعية تربط التعليم العام بالتعليم العالي والمهني، فمخرجات التعليم العام تمثل مدخلات للتعليم العالي والمهني، وبالتالي فإن هناك شراكة استراتيجية مطلوبة بين هذه الجهات لرعاية وتطوير الموارد البشرية، الطلبة والطالبات، فهل يعكس الوضع الحالي لمشاريع تطوير التعليم المختلفة هذه العلاقة؟ ومن المسؤول عن مستوى وكفاءة مخرجات التعليم الجامعي والمهني؟ وكيف نقيس مستوى وكفاءة مواردنا البشرية بمثيلتها في الدول المتقدمة؟ وكيف نقيم أداء ومخرجات مشاريع تطوير التعليم في المملكة على مدى العقود السابقة؟ وما مستوى العائد على الاستثمار في هذه المشاريع؟
الهدف الأساسي من التعليم ينصب في تخريج موارد بشرية على مستوى وكفاءة عالية وقدرة على المنافسة في سوق العمل العالمي. فقط من خلال الاستثمار في وتطوير مواردها البشرية، تتمكن الدول من التقدم والازدهار، فأستراليا وفنلندا ونيوزيلندا والنرويج وكوريا الجنوبية وكندا وإيرلندا، على سبيل المثال، تتقدم على جميع دول العالم في تطوير الموارد البشرية ـــ حسب تقارير الأمم المتحدة حتى عام 2010 م ـــ والمعزز بالواقع العملي لتقدم ورقي هذه الدول على جميع دول العالم، فما هو موقعنا في هذا السباق النوعي والحقيقي؟ فهل نحن ضمن أفضل (5) أو (10) أو (20) أو (30) أو (40) دولة في العالم في مجال التعليم؟ أم ما زلنا متأخرين في الترتيب العالمي؟ وهل يتم العمل في تطوير التعليم بخطة استراتيجية ومنهجية تضمن رفع مستوى وكفاءة الطلبة والطالبات ومنافستهم مع أقرانهم في الدول المتقدمة؟
من خلال قراءة سريعة لمشاريع تطوير التعليم العام في المملكة وعلى مدى العقود الماضية، نلاحظ تعدد هذه المشاريع، مع تركيزها على تطوير المناهج وخصوصاً الترجمة، وتطوير المباني، وصرف الدولة، بسخاء، على هذه المشاريع، مع ملاحظة ضعف التنسيق والتكامل، إن وجد، مع الجهات الأخرى المؤثرة في العملية التعليمية، التعليم العالي والمهني، فماذا كانت النتائج؟ ما زالت مخرجات التعليم العام دون المستوى المطلوب، بل إنها تنخفض سنة بعد أخرى، وهذا ما نراه على أرض الواقع، وتؤكده تقارير الأمم المتحدة، ونتائج المسابقات التعليمية الدولية، ونتائج الطلبة والطالبات في اختبارات القدرات العامة والتحصيلية المحلية، وتفوق الموارد البشرية غير السعودية (ومنها العربية) على السعودية في سوق العمل. نعم، هناك عوامل أخرى استجدت في مجتمعنا على مدى العقدين الماضيين وتؤثر سلباً في مستوى الموارد البشرية؛ منها عدم القراءة، وانتشار ثقافة الكسل، والاتكالية على الخادمة والسائق في كل شيء، والاعتماد على المدرس الخصوصي، وانشغال الأهالي عن أولادهم، وعدم الإحساس بالمسؤولية والجدية، وغيره وغيره من العادات والثقافات السلبية، ولكن هذا كله لا يخلي ساحة وزارة التربية والتعليم من مسؤوليتها في تربية وتعليم النشء ومن كونها الجهة الأساسية المؤثرة في العملية التعليمية.
في جميع مشاريع التعليم السابقة والحالية، تم تطوير أو ترجمة المناهج، وإنشاء المباني الجديدة، وغيره وغيره من مشاريع التطوير في التعليم، ولكن التعليم لم يتطور، لماذا؟ وما المشكلة؟ من أهم متطلبات التخطيط الاستراتيجي، تحديد وتحليل المشكلة ومن ثم قبولها، قبل الدخول في مرحلة تنفيذ الحلول المقترحة. ولتوضيح خطورة عدم تحديد المشكلة بشكل دقيق أو عدم التحليل بشكل صحيح، وبالتالي الخروج بمشكلة غير صحيحة، لك أن تتخيل شخصاً مصاباً بأزمة قلبية، ويساء تشخيص مرضه بأنه تعب في العضلات، على الرغم من أن المؤشرات والتاريخ المرضي والفحص السريري والفحص المعملي لو تم تنفيذها بشكل صحيح، ومن فريق عمل متخصص ومؤهل لتم تحديد المرض بشكل صحيح. ماذا يمكن أن يحصل لهذا المريض؟ فحسب درجة وتقدم الحالة، قد تتقدم الحالة ويستمر المريض في حياته بشكل طبيعي ويتعرض لأمراض جانبية أخرى نتيجة لإهمال علاج المرض الأساسي وقد يتوفى المريض. والنتيجة النهائية، بشكل عام، فقدان إنسان نتيجة إهمال طبي، نتيجة سوء الفحص، نتيجة سوء تحديد المشكلة. في الطب، خطأ الفحص يؤثر في مريض واحد أو اثنين، أما في التعليم فخطأ الفحص يؤثر في أجيال، يؤثر في ملايين، يؤثر في الوطن.
من الواضح أن مشاريع تطوير التعليم لا تتعامل مع المشكلة الحقيقية التي يواجهها التعليم في المملكة، فالمناهج تم تعديلها وتطويرها، وحديثاً، ترجمتها، ومع هذا لم يحدث الفرق، وتم بناء مدارس حديثة وبمواصفات عالمية، ومع هذا لم يحدث الفرق، وتمت زيادة مرتبات المعلمين والمعلمات، ومع هذا لم يحدث الفرق، وتمت سعودة التعليم العام، ومع هذا لم يحدث الفرق، فماذا يحصل؟
في الجزء الثاني من هذه المقالة، سنتحدث عن المشكلة الحقيقية التي يواجهها التعليم في المملكة، كما سنقدم عرضاً ونقداً مختصراً للندوة التي رعتها جامعة الملك سعود في شهر ذي القعدة من عام 1431هـ حول مدى ملاءمة مخرجات التعليم لسوق العمل.