شخصيتك المبدعة في اتخاذ القرار
دفعني لاختيار هذا الكتاب عنوانه "اتخاذ القرار", مؤملا أن يكون مفيدا في الإدارة العامة وإدارة الأعمال، وشجعني على ذلك المظهر الجاد والرصين للغلاف، وتثبيت اسم المترجم ومراجع الترجمة ومدققها، وأن الناشر معروف أيضا، لكن وجدته يقترب من موجة الكتب التي انتشرت أخيرا، ولقيت إقبالا كبيرا من الشباب وكثير من المثقفين والمديرين, بل بعض الأكاديميين، وهي كتب تزعم أنها تنمي الشخصية والمهارات، وتأخذ أسماء العلوم والتخصصات، لكنها يغلب عليها الوعظ والنصائح، وتخلط الأفكار والصواب والخطأ، وتخلو من المناهج والأدلة.
لكني على أية حال سأحاول صياغة أفكار هذا الكتاب وملاحظاته، وتقديمها إلى القارئ على النحو الذي أتوقع أن يفيده، فالكتاب لا يخلو من فائدة، لكنه يخلو من المنهج والتنظيم، ويكرر ويخلط المفاهيم ببعضها، فإن أخذته على أنه كتاب عام مفيد في المهارات الشخصية فلا بأس بذلك، لكن استخدامه للتعليم والتدريب ينطوي على خطر كبير، ويشوّه العلم والإدارة، وأتذكر لشديد الأسف أن أحد الأكاديميين والكتاب الكبار عرض في مجلة رصينة محترمة واحدا من هذه الكتب عرضا مطولا ووافيا، وواصفا إياه بأنه يغني القارئ عن أفضل الجامعات، وبالطبع فقد كان الكتاب وعرضه مفيدا، لكن وصفه بأنه مصدر للتعليم والتدريب يضر بالعلم كثيرا.
والأسوأ من ذلك أن ترجمة الكتاب يغلب الظن لدي بأنها غير أمينة، وتتضمن كثيرا من الإضافات وأفكار المترجم نفسه، فلا أتوقع أن المؤلف استخدم التراث العربي والشرقي والآيات والأحاديث الواردة والمصطلحات الإسلامية، وقصصا وأمثلة من الشرق العربي، أو أنه ينصح بتطوير الشخصية وتهذيبها بتلاوة القرآن الكريم، هي أفكار نعتقد نحن المسلمين بصحتها، لكن ليس من الأمانة أن ننسبها إلى المؤلف، وكان على المترجم أن يميزها في النص ليعرف القارئ أنها ليست للمؤلف.
الإبداع موهبة وفن يمكن اكتسابه
يعتقد مؤلف الكتاب (ومترجمه أيضا) أنه دليل لتعليم مهارات الإبداع، ومرشد للقارئ إلى طرق التعامل مع الناس، (يمكن اعتباره محاولة على أية حال) وكيفيه التأثير فيهم بطريقة إيجابية وإبداعية، ويكون تأثيرها إيجابيا في المبدع نفسه، فتغير حياته إلى الأفضل، ويرشد القارئ أيضا إلى التعرف على سلبيات شخصية والتخلص منها.
ويرى المؤلف الإبداع سلوكا إنسانيا يمكن داخل كل فرد، يتفتق في حالات تحفيز المدارك واستثارة الأحاسيس، ويمكن تعريفه إجرائيا بأنه نتاج عقلي جديد ومفيد وأصيل ومقبول اجتماعيا، ويحل مشكلة ما منطقيا، أو بما قبل الشعور.
والإبداع ضرورة لرقي المجتمع الإنساني وتقدمه وتطويره، وليس ترفا، فهو مدخل الفرد والمجتمعات والإنسانية لتحويل الأحلام والخيال إلى واقع ملموس، ويتصف المبدع عقليا بالقدرة على إدراك الأزمات والمشكلات، الحرية الفكرية، المرونة، الأصالة، والذكاء، ويمتاز نفسيا بالثقة بالنفس، قوة العزيمة، تحمل المسؤولية، تعدد الاهتمامات، عدم التعصب، نقد الذات، والميل إلى الانفراد في أداء بعض أعماله، وبعامة فهو يحب الاستكشاف والحوار والإخلاص والتفاني.
وقد يكون للوراثة والموهبة دور في الإبداع، لكن الاكتساب يشكل المساحة الكبرى في تشكيله وإنجازه، ويمكن اكتسابه بمواصلة الاطلاع والقراءة، والتفكير والتأمل، والتذكر، والاستقلالية في التفكير والأداء، والتنظيم، والشجاعة، والمبادرة، والمثابرة، .. والخيال.
وللتمرين على الإبداع يقترح المؤلف على القارئ التأمل، والربط بين الأشياء وتحليلها، والتخيل، وطرح الأسئلة، وتعدد الحلول والبدائل والخيارات، ومن مثبطات الإبداع ومعوقاته: القيود والضغوط السياسية والاجتماعية والاقصادية، والتقليد الأعمى، والكراهية والحسد، والبيئة المتخلفة، وانعدام النقد، والحرية في التفكير، والغرور، والشعور بالنقص والدونية، والعجلة والتسرع، والاستجابة للضغوط.
ويبدأ الإبداع باكتشاف الذات، بالإجابة عن سؤال "ما مواهبك التي تميزك عن غيرك؟" هل تحب الكتابة أو الرسم أو التصوير أو تشغيل وصيانة الآلات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والميكانيكية، أو الشطرنج، أو الشعر أو الرواية أو القصة، ثم تنطلق بحرية وراء أفكارك، وتدمجها ببعضها، أو تراجعها وتطورها، واجعل لنفسك قضية تعيش لأجلها، ولا تتأخر في عملك ولا تتراجع، وحاول أن تكون الأفضل دائما.
المبدع وغير المبدع
ربما تفيد ملاحظة وتمييز المبدع من غير المبدع، فإدراك الفرق بينهما يعلم الإبداع، ومن اقتراحات المؤلف، ويجب التشديد على أنها أفكار المؤلف واقتراحاته التي جمعها أو أعدها من غير أدلة كافية أو واضحة، لدرجة تجعلني أعتقد أنها أفكار وأساليب غير إبداعية لتعليم الإبداع، لكني على أية حال أعرض للقارئ بعض هذه الأفكار, التي قد تكون منطقية ومعقولة، فالمبدع ــ في رأي المؤلف ــ لا يدع مشكلة تمنعه من مواصلة التقدم، ولا يستسلم للمعوقات، ولا ينسحب، فالإبداع في حقيقته تجاوز التحديات، والعكس صحيح أيضا.
ويضع المبدع لنفسه هدفا واضحا يسعى إلى تحقيقه، ثم يضع خطة عمل مكثفة، ويعمل وفقها بجد ودأب، وتكون الأهداف واضحة ومعقولة ومحددة، ويسأل نفسه دائما "ما الذي منعك من تحقيق أهدافك؟" هذا الفرق بين المتحقق والمطلع إليه يمنحك سلوكا إيجابيا في العمل المتواصل والمبدع أيضا لتمييز العمل المنتج من العمل غير المنتج، ثم يعلم نفسه الشعور بسعادة الإنجاز، ويغير من قيم الإبداع والعمل ليربط بين العمل والشعور بالسعادة.
لكن رغم ما يبدو من منطقية الإبداع وسهولة تحقيقه فإن عدد المبدعين قليل جدا، ولا يبدو من تفسير لذلك سوى عقبات الإبداع التي يتجاوزها البعض، ولا يتجاوزها معظم الناس، وأولى هذه العقبات نمط التفكير الذي يمنع اكتشاف النجاح والفشل، ويرى المؤلف التفكير المبدع يتحصل في الإجابة عن سؤال "أين كنت وإلى أين وصلت؟" أين كنت قبل عشر سنوات/ سنة/ شهر/ يوم؟ وماذا حققت اليوم أو في سنة أو في عشر سنوات؟ والسؤال الآخر: ماذا تتوقع أن تنجز غدا؟ أو بعد سنة أو بعد عشر سنوات؟ والإبداع يكون أيضا في التوقع، فليس كل توقع إبداعيا، لكن التوقع المستمد من الإدراك السليم للقوة والضعف والواقع بعامة، ثم القدرة على تغييره وتوظيفه، والجهد المبذول والممكن بذله لتحقيق الطموحات والتوقعات، هذا التفكير يمنحك سلوكا ينمي شخصيتك ويطورها، ويجعلك تستخدم عقلك وإمكاناتك استخداما جيدا. ما السلوك الإيجابي الذي يمنحك الإبداع؟ يقترح المؤلف مجموعة من الصفات الشخصية الإيجابية التي تساعد على الإبداع، وهي عشق العمل، والقدرة على العمل الشاق، والصدق، ومحاسبة النفس، فالإيجابي شديد النقد لذاته، والمثابرة، وتواصل التفكير، فكثيرا ما يكون الإبداع في ومضة تفكير أو لحظة لا تتكرر ولا تعود أبدا، والتحليل، والعمل بروح الفريق، والبساطة، والقدرة على الربط، والرؤية بشمولية، والاعتراف بالخطأ، والقدرة على تحديد الجزئيات، والشجاعة والصبر والاحتمال.
مهارات الإبداع في التأثير
في الآخرين
يبدأ التأثير في الآخرين والقدرة على العمل معهم أو قيادتهم بنجاح من تقدير الذات واحترام مشاعر الآخرين، وتجنب الغضب والحقد، وعدم القيام بأي قول أو عمل في أثناء الغضب.
وبالطبع فإن أهم مداخل التأثير في الناس هو القدرة على الحوار والنقاش معهم، ومن الأخطاء السائدة أن مظنة القدرة على الإقناع بالنقاش الحاد والمفحم والمدعوم بالأدلة والمعلومات يؤدي إلى التأثير في الناس، والأصح هو الحوار بهدوء والاستماع باهتمام إلى آراء الناس، فدع للطرف الآخر فرصة التعبير عن نفسه وأفكاره دون مقاطعة، وعندما يسألك الطرف الآخر تطلع إليه وانتظر قليلا قبل الرد عليه، وكن التوقف الطويل يعطي انطباعا بالتردد والارتباك وعدم المعرفة.
إن الاتصال ما زال أفضل طرق التعلم والتأثير في الناس، وسر النجاح ليس فقط في الحديث الجيد، لكن في الاستماع الجيد، ثم حدد نقاط الاختلاف والاتفاق مع الطرف الآخر، واعرض أفكارك بطريقة هادئة ومعتدلة، إن الوصول إلى فهم الآخرين بوضوح يجعلك على صداقة معهم، ويساعدك على التأثير فيهم. ومن أفضل الوسائل للتأثير في الآخرين مساعدتهم وصنع "المعروف" لهم من غير من ولا أذى، أو انتظار منفعة أو مقابل مادي.
وبالطبع فإن التأثير في الناس ليس عملية واحدة أو عمليات متشابهة تتبع قواعد معدة وتقليدية، فالناس مختلفون أيضا، وستكون وسائل التأثير فيهم مختلفة حسب اختلافهم، فمن الناس الذين يواجهونك أو تعمل معهم وتحتاج للتأثير فيهم ذوو الطباع الصعبة، وهؤلاء يمكن تصنيفهم أيضا في فئات مختلفة، فهم ليسوا فئة واحدة، فمنهم العدواني، والمتهكم الساخر، والرافض، والمتمرد، والمغرور، وضعيف الشخصية، وعديم الموقف والرأي، ولاعدمي، وكثير الشكوى .. وهؤلاء يراوح العمل معهم بين الإهمال والصفح والتسامح، وفي جميع الأحوال يجب تجنب الحقد والانتقام.
والشخصية القوية في حد ذاتها تمنح صاحبها فرصة للتأثير، ويجب التمييز بين الشخصية القوية والمتسلطة، فالقوي هو الذي يحترم نفسه ويحترم الآخرين أيضا، ويمنع نفسه من الوقوع في الزلل والإهانة، وهو أيضا صريح في آرائه ومواقفه، ولا يغير ولا يبدل، ويتمتع بعامة بالشجاعة. والقدوة الحسنة المستمدة من السلوك الحسن تساعد أيضا على التأثير في الناس وتعليمهم.
ويقترح المؤلف هنا مجموعة من الصفات والسمات الشخصية للتأثير في الرؤساء والمرؤوسين، منها: الخلق الرفيع، الثقة وعدم التردد، الحكمة والتأني، الشجاعة والمسؤولية، واكتساب مهارات العمل الأساسية التي تساعد على النجاح والتفوق والإنجاز.
وهناك أيضا التأثير السيئ في الآخرين، والقدوة والأمثلة السيئة للآخرين، وهو ما يجب مقاومته والتحذير منه، وأن تحذر من أن تكون قدوة سيئة بعلمك أو بغير علمك.
إن التأثير مهارة قيادية وضرورية يحتاج إليها المديرون والمعلمون والآباء وجميع الناس، لأنها تمثل منظومة من التقاليد والخبرات والتجارب والأفكار التي يمكن تعلمها بالتأثير، ومن غير هذا التأثير فإنها تضيع ولا تنتقل من الرؤساء إلى المرؤوسين، ولا تنتقل بين الأجيال، ولذلك فإننا نتحدث عن مورد اجتماعي واقتصادي كبير ومهم.
مهارات التعامل مع الناس
يكاد يكون هذا الفصل تكرارا لفصل التأثير في الناس، لكن يمكن ملاحظة مهارات التواصل والاتصال والعلاقات في هذا المجال، فالعمل يقوم كما نعلم على العلاقات مع الفريق أو الآخرين من المستفيدين والمشاركين في العمل والحياة أيضا، والاتصالات تمنح الإنسان أفكارا وتجارب جديدة، ويطور الأعمال، ويمنح الأفراد فرص التقدم والارتقاء، ويمدنا بالمعاني لمواجهة مشكلاتنا، ويقتضي ذلك بالطبع تعلم مهارات الاتصال.
إن النجاح في التعامل مع الآخرين يقوم على تهذيب النفس والسمو بها، والتواضع، وكسب ثقة الآخرين، وتعاونهم، ويمكن تلخيص هذه المهارات بالقاعدة العامة والمعروفة في جميع الحضارات والأديان "عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك" وبعد تطبيق هذه القاعدة يمكن الحديث عن التواصل مع الآخرين، والاهتمام بهم، والتعاطف معهم، وقبل كل شيء الاستماع إليهم، ويساعد أيضا على كسب صداقة الناس وثقتهم ملاحظة واكتشاف الصفات الجيدة والحسنة في الناس، والتغلب على عائق الخجل من الناس، وامتصاص غضب الآخرين، وتجنب عداوتهم.
تخلص من سلبيات شخصيتك
هناك عوائق شخصية تمنعك من النجاح في العمل والتأثير في الآخرين وكسب صداقتهم، وتحتاج بطبيعة الحال إلى أن تتخلص منها، وربما يكون أخطرها الغضب، فهو نقطة ضعف تمنعك من التواصل والنجاح، ومن الصفات السلبية الأخرى ضعف الإرادة، فلا يمكن النجاح ومواصلة العمل من غير إرادة قوية، والاكتئاب لأنه يصد عن العمل والأمل بالنجاح والتفوق، والتردد، والكسل، والتسويف، وعدم الثقة بالناس، والتوتر، والحسد، والذاتية والأنانية والسخط، والأنماط الفكرية السائدة, التي تمنع التواصل والتفاؤل .. والنجاح أيضا، مثل الاعتقاد بأنك قدمت الكثير, وهذا يكفي، ولا أحد يحبني، ولا أحب أحدا، والعلاقات تجلب المشكلات، وأفشل في كل شيء أحاول تحقيقه، وتمر الأيام من غير جدوى، ولا يمكنني تحقيق أي شيء، وهكذا أنا دائما ولا أستطيع أن أغير ذاتي.