سقوط نظرية الفائدة

منذ أن فكر آدم سميث في تطوير نظرية اقتصادية جديدة قبل قرنين من الزمن، ومنذ أن دفع بنظرية الرأسمالية الشهيرة، اندفعت الدول الأوروبية، ومن بعدها أمريكا، لتحرير الأسواق من السلطات الحكومية، وقامت بتشجيع رأس المال ليستثمر ويحرك الاقتصاد. في تلك الأزمان تحرك الاقتصاد العالمي نحو فضاء جديد مدعوم بتغيرات اجتماعية وسياسية مصاحبة، أدت إلى نهضة أوروبا اقتصاديا في الوقت الحديث، حتى جاء الاقتصادي الأمريكي فريدمان ووضع نظريته في خلق الأموال Money Creation Theory، وهي ببساطة تقول ''إنه يمكن إنتاج أو خلق أموال جديدة عن طريق الإيداع والإقراض'' فأي شخص يقترض مبلغا من المال، فإنه ملزم بإعادته مبلغا أكبر من المبلغ الذي اقترضه، ويتم الاتفاق على نسبة محددة سميت بالفائدة. وبهذه الطريقة تزيد الأموال في الاقتصاد. وأذكر عندما درسنا هذه النظرية في الجامعة، وجدت أنها غير مقبولة منطقيا، لأنه لا يمكن خلق أموال من لا شيء في الاقتصاد، إلا أن السبب في ازدهار هذه النظرية هو استفادة بعض أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من الفكرة. أعلم أن هذا ممارس منذ أزمنة بعيدة قبل ظهور فريدمان، ولكنها لم تتحول إلى نظرية يقوم عليها الاقتصاد العالمي إلا خلال القرن الماضي، فازدهرت البنوك، وأصبحت هذه الكيانات الجديدة لا تنتج شيئا جديدا، ولا تتاجر بأي منتج، ولكنها تحرك الأموال من جهة إلى أخرى، وتأخذ نسبة على هذه التحريكات للأموال داخل الاقتصاد.
وأصبحت نسبة الفائدة هو المحرك الرئيس لكل الاقتصاد، وتقوم الحكومات بالتحكم في هذه المهمة، فإذا بدأ التباطؤ في الاقتصاد، قامت الحكومات بخفض أسعار الفائدة، لتشجع على الإقراض وزيادة الإنتاج وبالتالي تحريك الاقتصاد. وإذا ارتفعت كمية الأموال، قامت برفع الفائدة ليتم إيداع الأموال في البنوك، وبالتالي يتم جمع أغلب أرباح الشركات وإيداعها داخل البنوك. ولكن على المدى البعيد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد بسبب قلة الاقتراض الذي يعتبر هو المحرك الذي يعتمد عليه الاقتصاد. وقد نجحت الحكومات ــــــــــــ وخاصة الأمريكية ـــــــــــــ في التحكم في الاقتصاد بهذه الطريقة خلال القرن الماضي. غير أنه وبعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة، أصبحت هذه النظرية ضعيفة في نظر الاقتصاديين، وقد تكون السبب الأكبر في انهيار الاقتصاد العالمي ــــــــــــــ لا سمح الله، فالاقتصاد يمر بمرحلة تباطؤ شديد، وتم خفض الفائدة لأقل مستوى ومع هذا لم يتحرك الاقتصاد إيجابيا، وبالتالي لم يبق هناك أي حل آخر إلا تدخل الحكومات وضخ الأموال في الاقتصاد، مما أكد لجميع الناس سقوط نظرية الفائدة، وأنها لم تعد صالحة لتحريك الاقتصاد العالمي، وأن المخاطر المصاحبة لها كانت أكبر من فوائدها حتى على البنوك نفسها، وهذا ما سيؤدي إلى بروز نظرية المشاركة كبديل للإقراض في تمويل المشاريع، وتحريك الاقتصاد، فلو قامت الحكومات بضخ الأموال في النظام البنكي نفسه، فإن النظام سيقوم بتجفيف السيولة على المدى البعيد بالطريقة السابقة نفسها التي أدت إلى ظهور الأزمة المالية العالمية، وتتفاقم المشكلة لتسبب مشكلة أكبر من الوضع الحالي. أما لو قامت بالاستثمار المباشر في الإنتاج، وتكوين القيمة المضافة، وشجعت على تكوين كيانات تحول أموال المودعين لاستثمارات مباشرة، فإنها ستقلل من مخاطر الإقراض المتكتلة ككتلة واحدة، وتقوم بتفتيتها على عدد المشاريع المستثمرة، وهذا بالتالي سيساعد حتى على خفض نسب البطالة.

الرئيس التنفيذي لشركة توطين لتوظيف المديرين

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي