ثلاث رسائل من الملك!
كعادته، عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - قراراته مؤثرة ورؤاه استراتيجية وطموحه عال، وما قراره السامي بتأسيس مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية إلا أقرب دليل على ذلك وحلقة جديدة في منظومة النهوض الذي يتزعمه والتطوير الذي ينشده.
لقد استرعت هذه المؤسسة الوليدة انتباه الكثير من أنحاء العالم وأشاد بها الكثير وأفاض من داخل المنطقة وخارجها. وهي بلا شك أهل لهذا الثناء ومحل لهذا الاحتفاء.
ومع أن قرار التأسيس جاء مفصلاً لهوية هذه المؤسسة ورؤيتها ورسالتها إلا أنه تضمن ثلاث رسائل صاحبت هذا القرار، لكنه لم ينطق بها.
أما الرسالة الأولى فهي أن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - يستثمر من خلال هذه المؤسسة الخيرية لليوم الآخر، ومع انشغال مقامة الرفيع بأمور جسام على المستويات: المحلي والإقليمي والعالمي إلا أن ذلك لم يشغله عن التفكير في إعمار الآخرة بما ينفعه ويبقى له، وهي بلا شك رسالة بليغة لكل أولئك المنشعلين بالدنيا بأن ثمة حياة أخرى تحتاج منا إلى ادخار وإعمار.
أما الرسالة الثانية فهي أن استثمار مقامه الكريم مع الله - جل جلاله - جاء من خلال عمل خيري منظم ومؤسسي. ينبئك قرار الإنشاء بمدى العمق المؤسسي لهذا الكيان المبارك - بإذن الله. فهويته محددة ورؤيته واضحة ورسالته متناغمة مع الهوية والرؤية ويشرف عليه مجلس أمناء، وكل هذه العناصر التنظيمية وغيرها مما اشتمل عليها قرار التأسيس ستمنح هذه المؤسسة الخيرية البقاء ولأعمالها التأثير - بإذن الله تعالى. وفي ذلك دعوة لكل مقتدر حباه الله المال وأراد أن يعمل الخير بأن أعماله الخيرية ينبغي أن تكون مؤسسية ومنظمة وشفافة، وما أحوج بيئتنا المحلية لإعادة هيكلة العمل الخيري ليقوم على أقدام راسخة من التأسيس بعيداً عن الارتجالية والفردية التي تطغى على القطاع الخيري السعودي.
ورسالة ثالثة لا تقل بلاغة عن الأوليين، وأتت مبشرة لكل مهتم بالعمل الخيري السعودي والحريص على مكانة المملكة العالمية. لقد جاء في مسمى وهوية مؤسسة الملك عبد الله الخيرية أنها ذات بعد عالمي وهي بشارة بأن السعودية قادمة لاستعادة دورها الريادي في العمل الخيري العالمي بعد أن انكمش إلى الداخل إبان أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وما أعقبه من ملاحقة ظالمة لكل ما هو سعودي، واسترجاع مكانتها بعد أن كادت تخلو الساحة للاعبين آخرين استغلوا العمل الخيري لتصدير ثوراتهم وتحقيق أهدافهم السياسية.
إذا هي رسائل ثلاث تجتمع في هذا الجملة: العمل الخيري السعودي ينبغي أن يكون استثمارا مع الله منظما وبلا حدود. نسأل الله أن يحقق لخادم الحرمين الشريفين ما يصبو إليه من خلال هذه المؤسسة الخيرية المباركة وأن تكون نبراساً يستلهم منه أفراد المجتمع السعودي أفضل وأنجح التجارب الخيرية والإنسانية.