في الترويج للاستثمار الوطني (1 من 2)
حول ''تعزيز التحالفات التجارية للاستفادة من الفرص الناشئة'' عقد المنتدى الاقتصادي العربي اليوناني في نسخته الثالثة، فعالياته، في العاصمة اليونانية أثينا خلال الفترة من 23- 25 أيلول (سبتمبر) 2010م، ونظمته الغرفة العربية اليونانية للتجارة والتنمية بالتعاون مع اتحاد الصناعيين اليونانيين، تحت شعار الواقع الحالي والآفاق المستقبلية في العلاقات الاقتصادية في العالم العربي واليونان، إضافة إلى التعرف على الفرص التجارية والاستثمارية والسياحية المتاحة للطرفين، واستقطاب المستثمرين ورؤوس الأموال، وتشجيع الاستثمار المشترك بين الجانبين، إضافة إلى تشجيع الشركات العربية على إقامة شراكات مع رجال الأعمال اليونانيين، وتشجيع المشاريع العربية ــ اليونانية في أسواق جنوب شرقي أوروبا.
ويأتي هذا التوجّه اليوناني بالاهتمام بالسوق العربية، والاتجاه نحو جنوب وشرق المتوسط في العالم العربي للاستثمار على أثر الأزمة التي تعانيها اليونان حاليًا؛ ما دفع كثيرا من المستثمرين اليونانيين إلى خيار الشراكة العربية ــ اليونانية الاقتصادية، وخصوصًا أن العلاقات التاريخية القوية بين اليونان والبلاد العربية لم ترتق إلى حجم التبادل التجاري والاقتصادي بينهما، على الرغم من أن ميزان التبادل التجاري يميل إلى الجانب العربي، حسب تصريح محمد عزت الخازمي، الأمين العام للغرفة العربية اليونانية، فإن في حجم التبادل التجاري تراجعا بنسبة 41 في المائة في عام 2009 عن عام 2008، كما أن الصادرات اليونانية للدول العربية تراجعت بنسبة 1 في المائة في عام 2009 مقارنة بعام 2008.
ناقش المنتدى على مدار ثلاثة أيام، عددا من القضايا المهمة، التي تهم البلدان العربية، وسبل تعزيز التعاون مع اليونان في مختلف المجالات المتنوعة، من أهمها: الاتصالات وتقنية المعلومات، والطاقة والمصادر البديلة للطاقة، والمصارف والخدمات المالية؛ التجارة والاستثمار؛ البناء والتشييد؛ النقل البحري والتجارة والاستثمار؛ والسياحة؛ في الوطن العربي وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط وغيرها. وقد صاحب أعمال المنتدى معرض تجاري وخدمي. وتم تقسيم المؤتمر إلى جلسات عدة، شارك فيها عددٌ كبير من رجال الأعمال والساسة ومسؤولي الشركات.
وخرج المنتدى بتوصيات مهمة، وشكّل، في المجمل، فرصةً فريدةً من نوعها للترويج الاستثماري للجانبين: العربي واليوناني، وتفاعلاً مهمًا خصوصًا بين مجتمع رجال أعمال اليونان من ناحية ومجتمعات رجال أعمال الدول العربية. وكان، أيضًا، فرصة ثمينة لتبادل المعلومات عن التطورات التي يشهدها القطاعان المالي والاقتصادي في المنطقة، ودراسة إمكانات جديدة للاستثمار واستحداث التحالفات بين اليونان والأسواق العربية العديدة وذات الإمكانات الهائلة. وكان المنتدى أيضًا، خطوة مهمة، في الاتجاه الصحيح؛ لزيادة أواصر التعاون بين مختلف الهيئات الاقتصادية لدى الجانبين العربي واليوناني؛ للارتقاء بمستوى التعاون وتبادل الخبرات. في ظل كون اليونان الأقرب إلى العالم العربي جغرافيًا وتاريخيًا وحضاريًا واعتباره جسرًا للتواصل مع دول الاتحاد الأوروبي والبلقان.
وقد أثار المنتدى، بفعالياته وحواراته الجانبية، شجون الحديث عن الترويج لاستثماراتنا، ومقدّراتنا في الخارج .. وخصوصًا أننا نملك صروحا اقتصادية مهمة قادرة على النهوض بهذه المهمة خير قيام، لا سيما الهيئة العامة للاستثمار، وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية. وجهود الغرف التجارية الصناعية ومجلسها، في هذا الشأن بارزة؛ في عرض الفرص الاستثمارية السعودية للعرب والأجانب، والاطلاع على كافة الجوانب التي تسمح لهم بتكوين تصور عن استراتيجيات الفرص واستكشاف الفرص الكبيرة التي يتيحها، والتسهيلات التي نوفرها للمستثمرين، والأدوار التي تناسبهم في هذا الفرص. وهي مرحلة مهمة في تحديث الاقتصاد الوطني وتطويره، في ظل ما تتحلّى به المملكة من مزايا تنافسية عدة، أبرزها، كونها أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، يعطي وفرة للطاقة والموارد الطبيعية؛ والدولة الأكثر أمنًا وأماناً للاستثمارات المباشرة في ظل تأثر دول العالم بالأزمة المالية العالمية الحالية؛ فضلاً عن الموقع الاستراتيجي؛ بوصفها جسرا رئيسا بين المشرق والمغرب ومدخلا مهمًا للأسواق العالمية.
ولعل التطور في المبادرات الرئيسة الثلاث التي أطلقتها الهيئة العامة للاستثمار (هدف10في10)؛ لتحسين تنافسية المملكة عالميًا: المدن الاقتصادية، والتركيز على جذب الاستثمار لعدد من القطاعات الاستراتيجية هي النقل والطاقة والصناعات القائمة على المعرفة. خاصة أن إجمالي الاستثمارات المطلوبة لهذه المدن الاقتصادية، يُقَدَّر بأكثر من 300 مليار ريال، في ظل توافر الفرص الاستثمارية المتاحة فيها أمام المستثمرين الراغبين للدخول في ساحة الاستثمار في هذه المدن.
وعلى الرغم من هذه الجهود المبذولة؛ إلا أن نطاق الترويج الاستثماري الوطني ما زال يفتقد كثيرا من الوسائل والآليات، والمحفّزات والمؤسّسات الإيجابية؛ بهدف جذب رؤوس الأموال الدولية (ومنها العربية).
ومن خلال الرصد والمتابعة، تبدو الحاجة مُلِحة إلى زيادة فاعلية برامج الترويج للاستثمار في المملكة، من خلال توافر استراتيجية واضحة المعالم، تنطلق من أسس وركائز مهمة، بدايةً من إيجاد الإطار العام لتنمية الاستثمار الوطني, ومن أهم مكونات هذا الإطار العام صياغة السياسات الاقتصادية والتجارية والمالية والنقدية المتحررة والهادفة إلى تشجيع الاستثمار؛ مرورا بتوفير التمويل اللازم له وإتاحة المجالات أمامه للاستقرار داخل الاقتصاد الوطني, نهايةً بالبحث عن العوائد.
هذه الاستراتيجية، لا بد أن تضطلع بتكوينها الفعاليات الاقتصادية الوطنية جنبًا إلى جنب مع المتابعة الرسمية والتنفيذية من الدولة، وأن تشمل هذه الاستراتيجية الوطنية تهيئة البنى التحتية في تنمية الموارد البشرية وبخاصة المهارات والمعارف والخبرات المتوافقة مع احتياجات اقتصاديات المعرفة؛ وإعداد الكوادر الإدارية وأرباب العمل؛ لتحمَّل المخاطر الناشئة عن عمليات منشآت الأعمال, جنبًا إلى جنب مع إتاحة الفرص لتسويق منتجات القطاع الخاص محليًا وإقليميًا ودوليًا, إلى جانب منح كل الحوافز لإعادة توطين الفوائض المالية المغتربة في الخارج بهدف توظيفها في ربوع مدن المملكة.