2010: أين الحكومة الإلكترونية؟ (1 من 2)
انتظرنا خلال السنة الحالية 2010 ، إعلان الانتهاء من تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية حسب جدولة المشروع المعتمدة من قبل مجلس الوزراء عام 1424هـ، ثم توقعنا أن يتم ذلك خلال فعاليات المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية في المملكة الذي تم عقده الأسبوع الماضي، ولكن ذلك لم يحدث، ومن الطبيعي ألا يحدث طالما استمر الوضع على ما هو عليه، فبوادر ومؤشرات الإخفاق في المشروع كانت، وما زالت، جلية منذ بداية المشروع، رغم دعم وتشجيع ورعاية القيادة العليا، حفظها الله، والدعم المالي المفتوح للمشروع، وإعطاء فترة زمنية أكثر من كافية (أكثر من سبع سنوات).
ومع تقديرنا للعاملين في عدد من القطاعات الحكومية على ما بذلوه من مجهودات فردية في سبيل تطوير بعض خدماتهم الإلكترونية، إلا أنها لا تمثل الحل الأمثل والمطلوب في منظومة حلول الأعمال المتكاملة، وقد يكون من المناسب، بل من الواجب الوطني، وبعد مضي أكثر من سبع سنوات من عمر مشروع التعاملات الإلكترونية، أن نقيم مشروع التعاملات الإلكترونية بعيداً عن العاطفة والمجاملة وخلط الأوراق والحقائق، وتركيزاً على الوقائع والحقائق والبيانات خلال العقد الماضي، وعطفاً على المركز المتأخر للمملكة في التقرير الدوري للأمم المتحدة لمستوى وأداء الدول في تنفيذها للحكومة الإلكترونية، ترتيباً لا يتناسب مع حجم ومكانة وقدرات المملكة العالمية، ومنطلقين بدافع الغيرة والإحساس الوطني والرغبة العميقة في نجاح المشروع، واعتمادا على ما قدمناه من تقييمات ومقترحات سابقة منذ عام 2005. وكيف لا، فمشروع التعاملات الإلكترونية يمثل، بلا أدنى شك، أهم مشروع استراتيجي وطني يمكن، إذا ما تم تنفيذه بنجاح، أن يطور ويحسن ويسرع من الخدمات المقدمة للمواطن، المستفيد الأول من نظام الحكومة الإلكترونية، إضافة إلى رفع الكفاءة التشغيلية لقطاعات الدولة وتحسين العائد من الاستثمار في مثل هذه المشاريع، مع دعم القيادة العليا بالمعلومات الدقيقة والفورية والمتكاملة لتحسين اتخاذ القرارات الاستراتيجية مثل قرارات السعودة وضبط عمليات الاستثمار الأجنبي.
بقراءة تاريخية للمشروع من جميع النواحي سواء ما يخص تعريف المشروع أو مكونات المشروع أو أطراف المشروع أو التخطيط الاستراتيجي للمشروع أو إدارة ومتابعة ومراقبة المشروع أو كفاءة وشمولية ومحلية واحترافية الموارد البشرية أو تحديد وتقييم وإدارة المخاطر في المشروع أو إدارة المخرجات أو الإشراف على المشروع، يمكن ملاحظة ما يلي:
1 ــ بدأ المشروع عام 2003، وحتى تاريخه لا يوجد أي تحديد رسمي لنسبة الإنجاز في المشروع. وحقيقة أنه لم يتم الانتهاء من تنفيذ واستكمال مشروع التعاملات الإلكترونية، رغم أنه من المفترض الانتهاء من ذلك خلال هذا العام 2010، يشير بشكل قاطع إلى وجود مشاكل متأصلة في المشروع، كما يعني أن المشروع متعطل ومتوقف منذ سنوات، وقد تكون إدارة المشروع على معرفة بهذا الخلل وقد لا تكون، وكلاهما مصيبة. في عام 2007 م، صرح وزير الاتصالات وتقنية المعلومات بأن ''مشروع الحكومة الإلكترونية شارف على الانتهاء بعد إنجاز 80 في المائة''، والآن وبعد ثلاث سنوات من تاريخ هذا التصريح، هل تم الانتهاء من الـ (20 في المائة) المتبقية من المشروع؟ أو أن نسبة الإنجاز، أصلا، غير معروفة؟
2 ــ من غير الواضح دور وتعريف برنامج التعاملات الإلكترونية من الناحية الاستراتيجية، فهل هو يتمحور حول إنشاء حكومة إلكترونية شاملة ومتكاملة، يتعامل المواطن معها بشكل موحد ومباشر وآلي، وهذا هو التعريف الصحيح للحكومة الإلكترونية وهو أيضاً النموذج المستخدم في الدول المتقدمة في هذه المجال مثل سنغافورة والنرويج، أو أنه يقتصر على القيام بدور المحفز والمنسق والممول للجهات الحكومية، وهو الدور الذي يحاول برنامج التعاملات الإلكترونية أن يقوم به، ويسعى لإقناع القيادة العليا بقصر دور مشروع التعاملات الإلكترونية عليه.
3 ــ من الواضح أن القطاعات الحكومية ما زالت تعمل بشكل مستقل وغير متكامل، وما تركيز المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية على تقديم الجهات الحكومية لتجاربها، كلاً على حدة، إلا ترسيخ لهذا التوجه. أكثر من 400 جهة حكومية تطور خططها التنفيذية المستقلة (وليست الاستراتيجية المتكاملة)، وتقوم بتنفيذ خدماتها إلكترونياً بشكل مستقل، مما يرغم المواطن أن يتعامل مع أكثر من 400 حكومة إلكترونية (حالياً ما زالت يدوية). أنظمة الدولة، الأنظمة المالية والمشتريات والعقود وشؤون الموظفين والرواتب، هي واحدة ومتماثلة في جميع قطاعات الدولة (أنظمة نمطية)، فكيف تعمل كل جهة حكومية على تطويرها والصرف على أنظمتها بشكل مستقل؟ هناك بيانات أساسية تشترك فيهل جميع القطاعات الحكومية، فكيف تعمل كل جهة حكومية على هذه البيانات بشكل مستقل؟ والعجيب أنه لا توجد حتى الآن أي خدمة إلكترونية واحدة متكاملة، يستطيع المواطن القيام بها من جهازه الآلي، فما زال العمل اليدوي والورقي، وسيطرة ومزاجية بعض الموظفين، والواسطة هي سيد الموقف.
4 ــ البعد الفني ليس إلا جزءاً من منظومة حل الحكومة الإلكترونية، وهو أحد حلول الأعمال. ومع غياب تطوير عنصري سياسات وإجراءات العمل والموارد البشرية، لا يمكن بناء حكومة إلكترونية متكاملة وفاعلة، ولا يمكن تقديم خدمات متكاملة ودقيقة وفورية للمستفيدين. ويكفي للاستدلال على هذا التوجه، ضعف انتشار استخدام البريد الإلكتروني بين موظفي القطاعات الحكومية. ما يحصل حالياً من تركيز على الأجهزة والشبكات والبرامج لا يقدم أي عائد حقيقي للاستثمار، بل إنه يرفع من تكلفة تملكها في المستقبل، لينتهي المآل إلى التعامل مع مجرد خردة.
5 ــ عدم استثمار مبدأ اقتصاديات الحجم Economies of Scale في مشاريع التعاملات الإلكترونية، فما زالت كل جهة تعمل بشكل مستقل فيما يخص رخص البرامج بأنواعها والأجهزة والشبكات والتدريب، مما أدى، وما زال، إلى تكبد الدولة لخسائر مالية كبيرة، كان يمكن توفيرها على ميزانية الدولة والاستفادة منها في تطوير الموارد البشرية الوطنية، وهو الاستثمار الحقيقي.
6 ــ عدم التواصل والشفافية في المشروع، مع غموض وعموميات عند التحدث عن تطور المشروع، مع عدم وجود تقييم وطني مستقل للمشروع على مدى عمر المشروع، وتتجلى وتتأكد هذه الظاهرة من خلال المنهجية التي اعتمدت في طريقة اختيار المتحدثين وأوراق العمل، حيث تكونت اللجنة العلمية للمؤتمر، والتي تحدد المتحدثين وأوراق العمل، من ثمانية أفراد، يمثلون اثنين من الشركة المنظمة للمؤتمر وستة من موظفي برنامج ''يسر'' نفسه، وهي تركيبة لا تفتقر فقط إلى ضعف الكفاءة العلمية والعملية وعدم مناسبتها فقط، بل، وهو الأهم، تفتقر إلى الاستقلالية والمصداقية، وهي أهم متطلبات عقد المؤتمرات الوطنية. في مثل هذه التركيبة، قد يكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، إقرار متحدثين وأوراق عمل تنتقد عمل ووضع مشروع التعاملات الإلكترونية.
7 ــ لا يوجد أي تحليل أو تقييم لتكلفة تشغيل البرامج والشبكات Cost of Ownership، فما زال التركيز في المشروع على تطوير البرامج والشبكات دون النظر إلى تأثير هذه المشاريع في حجم المتطلبات البشرية والمالية لتشغيل وإدارة وترخيص هذه الأنظمة، وما زال التطوير معتمداً على العنصر الأجنبي بشكل كلي وبشكل مستمر، وهذا يندرج على جميع مشاريع البنية التحتية من إنشاءات وغيرها. ومع الدعم المالي السخي والاستثنائي لوزارة المالية، إيماناً منها ورغبة في إنجاح مشروع التعاملات الإلكترونية، زادت القطاعات الحكومية إنفاقها على مشاريع التقنية، وخصوصاً في مجالات التوظيف (للأجانب)، مرة أخرى، دون تقييم التأثير في تكلفة تملك الأنظمة والعائد الوطني.
8 ــ ضعف وعدم احترافية قطاع التقنية الخاص بشكل عام، وخصوصاً أن جلها استثمارات أجنبية تركز على الكسب السريع ولا تنظر للمصلحة الوطنية، مع عدم وجود أي خطط لنقل المعرفة أو توطين التقنية.
هذه بعض نقاط الخلل والضعف التي يجب النظر فيها بكل تجرد وحيادية وموضوعية، وعلى أساس تحمل عظم مسؤولية مهمة وأمانة تطوير أعمال قطاعات الدولة، وفي الجزء الثاني من هذه المقالة، نرفع، إن شاء الله، تصوراً وحلاً استراتيجياً لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ لكيفية التعامل مع مشكلة مشروع التعاملات الإلكترونية.
وللحديث بقية...