هل نجحنا في التصنيف؟
لتقييم أداء أي جهة أو خدمة أو منتج، سواء في التعليم أو في الصحة أو في المقاولات أو في أي خدمات أخرى، يمكن التركيز على تحديد مدى مقابلة المخرجات والخدمات المقدمة لاحتياجات العملاء والمستفيدين، أو تقييم مستوى وجودة الموارد البشرية وإجراءات العمل الداخلية بشكل مباشر، أو مقارنة المنتج أو الخدمة بين عدد من الجهات المقدمة لها، أو أن يتم التقييم بكل الطرق وهو الأنسب والأكثر قبولا. وفي جميع الأحوال، يجب عدم وجود أي تناقض بين نتائج التقييم، فلا يمكن أن يكون العميل أو المستفيد غير راض عن مخرجات أو خدمات الجهة، بينما تقييم مستوى وجودة الإجراءات الداخلية مرتفع، ما يضفي نوعاً من الشك في مصداقية التقييم الخارجي. وفي عملية التصنيف تقوم جهات حكومية أو منظمات مدنية أو شركات تجارية بوضع ترتيب (تصنيف) لجهات تعمل في قطاع معين بناء على معايير معينة، وهذا ينطبق أيضاً على تصنيف المؤسسات والشركات الإنشائية والمكاتب الاستشارية الهندسية.
في الوقت الحالي، ما زالت وزارة الشؤون البلدية والقروية منوطة بمهمة عملية تصنيف المقاولين، حيث يتم تصنيف المؤسسات والشركات العاملة في قطاع المقاولات بناء على الوثائق والمستندات المقدمة مثل عقود المشاريع وعدد العاملين وحجم وعدد العقود السابقة وعمر الشركة، وبعد تقديم هذه البيانات وفي وقت معين، يتم تحديد درجة تصنيف للجهة المتقدمة، مثلا (درجة التصنيف: ثانية). ونظراً لما يمكن أن يلعبه نظام التصنيف من دور كبير في دعم الجهات الحكومية في تحديد وتقييم الشركات المتقدمة لمشاريع المقاولات، ولمضي عقود على تطوير وتطبيق هذا النظام، ولربط تصنيف المقاولين بقرار مجلس الوزراء بتكليف وزارة الشؤون البلدية والقروية وبالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة والهيئة السعودية للمهندسين بوضع آلية لتصنيف المكاتب والشركات الاستشارية الهندسية، قد يكون من المناسب إعادة النظر في طريقة وآلية تصنيف المقاولين الحالية، مع إمكانية الاستفادة من الدور الذي يمكن أن تقوم به الهيئة السعودية للمهندسين في دعم نظام التصنيف، لما تملكه من قدرات بشرية متخصصة وقدرات فنية.
من أهم المشكلات التي يواجهها نظام التصنيف الحالي، عدم وجود فحص ميداني لقدرات ومشاريع ومنسوبي الجهات المتقدمة للتأكد من مصداقية البيانات المقدمة، فهناك شركات كبيرة وحاصلة على تصنيف عال, لكنها تعتمد في تنفيذ مشاريعها بشكل كبير على شركات من الباطن. ومن العيوب الأخرى في نظام التصنيف الحالي للمقاولين، عدم أخذ العامل الزمني في الاعتبار عند التقييم، فهناك بعض الشركات التي تستثمر بشكل مؤقت للحصول على درجة تصنيف عالية، وبعد حصولها على الدرجة المطلوبة تقوم بتخفيض استثماراتها ومواردها البشرية والفنية والمادية، لتعتمد على شركات أو مؤسسات أخرى في تنفيذ المشاريع التي ترسى عليها، على أساس أنها تتملك التصنيف, وهذا في حد ذاته أكبر عامل للحصول على مشاريع.
وهناك عدد من المشكلات الأخرى التي ما زالت في حاجة إلى البحث والدراسة، من أهمها نسبة السعودة الحقيقية في ملكية وإدارة هذه الشركات، وتشتت موضوع الترخيص للمقاولات بين وزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار، مع تساهل الأخيرة في منح التراخيص للأجانب، وحصول بعض المقاولين على مشاريع تفوق قدراتهم المادية والبشرية, ما يؤدي إلى انتشار ظاهرة العقود من الباطن، وقصور وضعف المعرفة والخبرة في قطاع المقاولات، وعدم وجود قاعدة بيانات تفصيلية حول المشاريع والمقاولين والمهندسين والفنيين وغيرهم، التي يمكن، متى ما توافرت، أن تساعد على دعم نظام التصنيف وتحسين طرق اختيار المقاولين والمستشارين، ووجود بعض المؤسسات العاملة في قطاع المقاولات، ما يزيد من احتمالية توقف المؤسسة عن العمل في أي لحظة لارتباط عمل المؤسسة بشخصية المالك وظروفه.
وكي يكون التقييم، لغرض التصنيف، صحيحاً ومفيداً وعملياً، يجب تحقق عدد من المعايير، من أهمها ما يلي:
1. وضوح وشفافية معايير التقييم لجميع المستفيدين من التقييم.
2. شمولية وقابلية معايير التقييم للقياس الكمي ما أمكن، والبعد عن التدخل والحكم الشخصي في عملية التصنيف.
3. استقلالية المقيم مالياً ومعنوياً، وعدم وجود أي مصالح مالية مباشرة وغير مباشرة بين المقيم والجهة الخاضعة للتقييم. كما أنه من الضروري عدم عمل المقيم في أعمال أخرى تتعارض مع التقييم مثل تقديم خدمات استشارية للجهات الخاضعة للتقييم.
4. ربط التقييم بالفحص الميداني من قبل خبراء متخصصين في المجال وعدم التركيز فقط على الاطلاع على أوراق ومستندات ووثائق، التي تعتبر سهلة التوفير نسبياً. ويمثل الفحص الميداني أهم عامل في تقييم الشركات، ما يدعم الاستعانة، بل بتكليف، بالهيئة السعودية للمهندسين للقيام بمهام التصنيف والمتابعة.
5. تحديد وربط نتائج التقييم بسنة أو فترة معينة، مثل (تصنيف مستوى أ – 2010)، وذلك للتأكد من استحقاق الجهة مستوى التقييم، وبحيث تكون هناك استمرارية وتجديد في التقييم.
6. عقد ورش عمل مع الجهات المستفيدة وبشكل علني لمناقشة جميع الموضوعات ذات العلاقة بالتصنيف، مع التعاون مع الجهات الإعلامية.
7. الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال تصنيف المقاولين والمكاتب الاستشارية، مع عمل دراسة مقارنة.
8. الاستفادة من التجارب المحلية, خصوصاً بعض الهيئات التي قطعت شوطاً جيداً في مجال تقييم المكاتب مثل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين التي تستخدم نموذج مراجعة المكاتب المحاسبية من خلال مهنيين زملاء في المهنة.
9. ضرورة تضمين نظام التصنيف نظام جزاءات وعقوبات لأي مخالفات يمكن أن تحدث من الشركات والمكاتب المصنفة، مع أهمية وجود آلية واضحة لتنفيذ العقوبات، ويمكن أن تلعب وزارة المالية دوراً كبيراً في هذا الاتجاه.
ولدعم وزارة الشؤون البلدية والقروية ولتخفيف الأعباء المنوطة بها ولعدم توافر الكادر الفني والتشغيلي بالشكل الكافي للقيام بمهمة تصنيف المقاولين والاستشاريين، فإننا نقترح إما إنشاء هيئة مستقلة تقوم بعملية التصنيف والمتابعة, وإما، وهو الأنسب حالياً، تكليف الهيئة السعودية للمهندسين بتطوير وإدارة نظام تصنيف المقاولين والمكاتب والشركات الاستشارية الهندسية، فهي الجهة الوحيدة المؤهلة فنياً وإدارياً للقيام بهذا الدور، وهذا الحل يعتبر الأفضل من الناحية العملية والفنية والإدارية ويحقق أعلى قدر ممكن من الكفاءة التشغيلية. كما يمكن التعاون مع الغرف التجارية في هذا المجال, خصوصاً لجنة المكاتب الاستشارية، التي تملك كما من المعلومات القيمة التي يمكن الاستفادة منها في عملية التطوير والتصنيف.
وللحديث بقية...