نحن نحب القراءة والآيس كريم
في لغتنا العادية ليس هناك فارق بين تعبيرنا عن الإشباع gratification والمتعة pleasure ونحن بتلك الفوضى اللغوية نحرم أنفسنا من الكثير لأننا نخلط معا نوعين مختلفين من أهم المشاعر التي تبعث السعادة في الحياة، وهذا يخدعنا لأنه يجعلنا نظن أن باستطاعتنا الوصول لكل منهما بالطريقة ذاتها، فالمتع هي مسرات لها مكونات حسية وانفعالية واضحة وقوية لا تحتاج لكثير من التفكير ويطلق عليها الفلاسفة تعبير "الأحاسيس الخام الإيجابية raw feels positive"، والمتع ذات القوة الكبيرة تضم الابتهاج والمرح والإثارة والحيوية، أما الأقل قوة فتشتمل على الانسجام، الراحة، الاسترخاء، وتشترك جميعها في سمات واحدة، فهي سريعة التأثير والزوال مما يحد من فائدتها كمصدر للسعادة الدائمة، أما الإشباعات فهي أنشطة نحب جدا أن نمارسها وليس شرطا أن تكون مصحوبة بمشاعر بدائية لكنها تستغرقنا تماما فنصبح مندمجين فيها ونفقد الشعور بالذات ويسرقنا فيها الوقت، كالاستمتاع بحوار فلسفي عميق، البحث عن تفسير آية في القرآن، الغوص في أعماق البحر ، الانهماك في رسم لوحة ، تدريب طفلك الصغير على شيء ما، المشاركة في عمل خيري، ويتضمن الإشباع الكثير من التفكير والتفسير ويعيش فترة نفسية أطول من المتع نصبح خلالها على اتصال بقدراتنا ونقاط قوتنا، ولكننا فقدنا القدرة على التمييز بين المتع والإشباعات فنحن نقول إننا نحب الآيس كريم والمساج وصوت المطر أو الاستمتاع بحمام دافئ وهي كلها متع تعتمد على الحواس والمشاعر، ونعبر بالكلمة نفسها عندما نود أن نقول إننا نحب قراءة الكتب الهادفة ونحب مساعدة المحتاجين ونحب ممارسة رياضة المشي يوميا مع أن الأخيرة إشباعات ذات مكونات نفسية مختلفة وأنشطة مرتبطة بأهداف نبيلة وتطوير لنقاط القوة والقدرات والفضائل الشخصية، ولهذا فعندما نمارس المتع فربما نكون مجرد مستهلكين لأنها لحظات سرور عالية لا تبني شيئا للمستقبل ولا تعد استثمارا لأنه لا شيء يتراكم فيها، ويمكننا أن نقول إن المتع هي علامة تحقق الإشباع البيولوجي بينما الإشباع هو علامة تحقق النمو النفسي، ومن المحير أننا كثيرا ما نفضل المتعة على الإشباعات، ففي اختيارنا بين قراءة كتاب جيد ومتابعة مسلسل تلفزيوني نختار الثاني، رغم أن الدراسات النفسية تؤكد مرة بعد أخرى أن المزاج العام أثناء متابعة التلفزيون هو الاكتئاب، والخطورة هي أننا إذا اعتدنا تفضيل المتع السهلة الحسية على الإشباعات العميقة فسيكون لذلك عواقب وخيمة، وقد تكون أفضل وصفة مضادة لاكتئاب الشباب هي بذل مزيد من الإشباعات مع خفض السعي وراء المتع.