الأمانة الطبية بين النظرية والتطبيق

يصنف تخصص الطب في كثير من المجتمعات على أنه من التخصصات التي لها الأفضلية العلمية والاجتماعية على السواء، وكلما كان التخصص الطبي دقيقا، سجلت تلك الأفضلية معدلا أعلى على مستوى العالم بلا استثناء، وعلى الرغم من أنه ليس هو التخصص الوحيد طبعا الذي حظي بكل تلك المكانة، إلا أنه لا يزال يعد من التخصصات الأولى التي تطمح الكثير من الأسر إلى أن تدفع أبناءها إلى الالتحاق به إذا ما توافرت فيهم المؤهلات والشروط المطلوبة للتسجيل فيه، وهذا ما يشير إلى أنه في النهاية من التخصصات التي تصنف تحت أهمية كبيرة نظرا لمدى الحاجة البشرية الماسة إليه، التي اتضح مع مرور الزمن أن التخصصات الدقيقة فيه غاية في الأهمية، نظرا لتطور تاريخ الأمراض المستمر، المتمثل في ظهور أمراض جديدة واختفاء أمراض أخرى، ومن يتتبع ذلك حقيقة وفق دراسات وأبحاث نشرت في هذا المجال سيجد أن الأمر غاية في التعقيد وغاية في الأهمية من جانب آخر، وكيف لا يكون كذلك وهو يمس حياة الإنسان خاصة والبشر عامة، وأول ما يجب أن يؤمن به من يلتحق بذلك التخصص هو إدراك مفهوم الروح الإنسانية وأهميتها وأهمية سلامتها ومدى عظم المسؤولية الموكلة إليه في التعامل مع أرواح البشر، ولكن مع الأسف الشديد هذا ما لا نجده في عدد من الأطباء إذا ما سلط الضوء على المجتمعات العربية عامة ومجتمعنا على وجه التحديد، ولعل طرح مشكلة الأخطاء الطبية أخذ زوايا إعلامية عدة، انطلقت تلك الزوايا من معاناة البشر وتجاربهم المريرة التي ضاع فيها أغلى ما يملكونه في الحياة، نتيجة استهتار بعض الأطباء وتجردهم من الإنسانية وانعدام الدافع الحقيقي من العمل على علاج الإنسان، وهو بذل أقصى ما يكون للشفاء وليس الموت والهلاك والإعاقات.. إن مجتمعنا يدرك أن الحياة والموت بيد الله ـ عز وجل ـ، ولكنه في المقابل يشاهد غياب العمل بالسبب أيضا في بعض المواقف، فمثلا عندما يدخل أب طفلته أو أمه أو زوجته إلى المستشفى في حالة لا بأس بها، ثم يفاجأ بوفاتها نتيجة لسوء تركيب جهاز ما، وهذا فقط على سبيل المثال، وتموت تلك الإنسانة من هذا الخطأ البسيط دون أن يعرف أحد من هو الفاعل، حتى إن تعرض الفاعل إلى التحقيق، ترى ما الفائدة من التحقيقات التي توضع ملفاتها في الأدراج وأرفف الملفات لتضاف للأخطاء السابقة التي ربما تصنف بأنها جرائم بغير عمد أو بعمد أحيانا إذا قصر الطبيب أو الممرض أو غيرهما من أفراد الطاقم الطبي عمدا في العناية بالمريض، حيث يدرك أن إهماله سيتسبب في وفاته. ليس سهل الاستهتار بأرواح الناس، ولكن هناك من يعمل في تلك القطاعات الصحية ممن لا يقدرون ذلك، ربما من الصعب الكشف عنهم إلا عند وجود الخطأ، تُرى هل نتركهم أم نتغاضى عن أخطائهم أم نبدأ برفع الخطابات يمينا ويسارا دون جدوى؟! أعتقد أن الأمر يحتاج إلى وقفة صارمة وقرارات تفعل في وضع عقوبات، أهم ما يجب أن يدرج فيها هو بند التشهير بالطبيب إعلاميا وعدم إخفاء اسمه إطلاقا، فكيف نخاف على مستقبل الطبيب من الضياع، وقد أضاع روح إنسان بأكملها، كيف لا نحاسب على تلك الجرائم البشعة أمام المجتمع، لأن محاسبة شخص واحد سيردع المئات من الأشخاص، الأمر غاية في الأهمية بل لقد بلغ الاستهتار ببعض الأطباء في الآونة الأخيرة ليس الخطأ الطبي فحسب، بل نقل تشخيص خاطئ للمريض، وبعد أن ينهار المريض ويسقط على الأرض ويصاب بالجلطة من التشخيص الخاطئ، يأتي الطبيب بكل برود وبكل انعدام للإنسانية ليعتذر عن أن الحالة التي بلغ بها هي لمريض آخر، وقد حدث ذلك في الخطأ بتبليغ المريض بأمراض خبيثة وخطيرة. لم تتوانَ حكومتنا إطلاقا وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ في توجيه القطاع الصحي من جوانب علمية وإنسانية وكذلك مادية من خلال رصد مبالغ باهظة لتطوير العمل فيه والحرص على نجاحه ليس محليا فحسب بل عالميا.. كما أن معالي وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة الذي سجل إنجازات محلية وعربية وعالمية، وعمل جاهدا على إثراء هذا القطاع بخبرات ناجحة يشهد لها الجميع، كل تلك الإيجابيات تشجع في الواقع على إعادة التأمل في طرح مشكلة الأخطاء الطبية والتأمل أكثر في انتظار الحلول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي