تأملات رمضانية .. «الفكر المبدع»! (4 من 4)

*يرسم شهر رمضان، كل عام، خريطة طريق وافية ويرسخ مؤشرًا جيدا للتعرف على سمات المستهلك السعودي الذي تعصف أنماطه الاستهلاكية بجميع التقديرات والتوقعات؛ المتفائلة منها والمتشائمة‏,‏ فبالرغم من تزامن عدة متاعب ترتبط بالأزمة العالمية‏,‏ وحالة الكساد السائدة‏,‏ وارتفاع أسعار المواد الغذائية‏,‏ بنسب تقترب من ‏30 في المائة‏،، إلا أنه يبني عاداته الاستهلاكية علي التقليد والمحاكاة أكثر منها على قدرته الشرائية وإمكاناته المادية التي غالبًا ما تكون محدودة‏..!
*المجتمع الإسلامي بلغ ذروة القوة يوم أن كان مجتمعا متآلفا تتآخى فيه العقول والقلوب‏ ..‏ ولكن حين دبت الفرقة فيه وتفتتت وحدته؛ تفككت أواصره وأصبح مطمعا لكل طامع أثيم‏.‏ كما نذكر بقوة أن الإسلام ينكر على المسلمين أن يعيشوا في عزلة عن غيرهم‏ ..‏ حيث اعتبر مبدأ التعارف الإنساني من مبادئه الكبرى وخاطب الناس جميعا ـــ مسلمين وغير مسلمين‏:‏ ''يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‏..‏''، ولتأكيد هذا المعني دعا الإسلام إلى إقرار السلام في الأرض، لأن السلام بمثابة عهد أمان ومودة بين الإنسان والإنسان في مجتمع التعارف الإنساني.
*لقد جعل المولى، عزّ وجلّ، الصراع جزءًا من طبيعة هذا العالم وسرا من أسرار وجوده واستمراره‏,‏ والمهم أن نحرص جميعًا‏,‏ وتحرص كل قوى الخير والإيمان‏,‏ لأن تكون الغلبة في هذا الصراع الدائر المتواصل‏,‏ لقيم الخير والحق والمحبة والجمال والسلام ضد عوامل الشر والحقد والدمار‏,‏ التي يغذيها التعصب والابتعاد عن نبل وسماحة وبهاء التعاليم التي بشر بها أنبياء الله‏ تعالى، عليهم وعلى المصطفى أزكي السلام والتسليم.
* أمضى السعوديون والمسلمون جميعًا أيام شهر رمضان في الطاعات‏,‏ وتعويد النفس على تقبّل الحرمان لما في ذلك من رياضة لها‏,‏ كي ترضى بما هو متاح لها‏,‏ وهذا الأمر هو واحد من الأسرار الأساسية التي تكشف عن القوة النفسية الكبيرة في وجدان البشر‏,‏ ولأجل ذلك ليست هناك أي غرابة في أن يكون الصيام هو أحد المناسك الأساسية لا في الدين الإسلامي وحده‏,‏ بل في كل العقائد والأديان التي عرفتها البشرية سواء كانت أديانًا سماوية أو عقائد أرضية وضعية‏.‏
* ويبدو لكل ذي عينين أن الإنسان ينطوي على قدرات وطاقات جبارة‏,‏ لو أحسن استخدامها لكان للناس شأن آخر‏..‏ ولأجل هذا؛ فإن الهدف مثلاً من عمليات التطوير والتحديث‏,‏ التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز,‏ هو إتاحة أفضل الفرص الممكنة أمام الإنسان السعودي كي يستطيع أن ينمو‏,‏ ويتطور‏,‏ ويبدع‏,‏ وأن يطلق لطاقاته الخيالية العنان‏,‏ فليس صحيحًا أن التخلف‏,‏ أو سوء الوضع في مكان ما‏,‏ أو مؤسسة ما من مؤسسات الدولة‏,‏ هو بسبب نقص الإمكانات‏..‏ كلا‏,‏ فالسبب الرئيس والجوهري هو عدم وجود خيال‏,‏ وعجز العاملين أو القيادات عن إلهاب خيال العاملين معهم وإطلاق طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية‏,‏ فلو حدث هذا لأمكن التغلب على مشكلات كثيرة‏,‏ ولأمكن أن يتسع المجال أمام هؤلاء كي يزداد إقبالهم على عملية تطوير العمل والأداء في أماكنهم‏!
* القضية في الأول والآخر‏,‏ ليست في الإمكانات‏,‏ بل في الفكر الصحيح الحر الخلاق ‏..‏ وكل إنسان يستطيع أن يفكر بشكل حر قادر على الإبداع، فليس المفروض أن يكون الجميع عباقرة‏ ..‏ كلا‏,‏ ولكن على الأقل المطلوب أن يستطيع كل شخص حل أكبر قدر من المشكلات التي تواجهه بقدرته هو الخاصة وبثقته بنفسه‏.‏
* إن العيد الذي يهل علينا بعد الغد، مناسبة كي نستمتع بحياتنا‏,‏ والمهم أن نعرف كيف نستمتع‏ ...‏ فالمتعة تتحقق بالعمل‏,‏ والمثابرة‏,‏ وإخلاص النية‏,‏ وصدق العزم‏,‏ وبالإقبال القوي على الحياة‏.
* في العيد يجب أن نستمر في التحلي بأخلاقياتنا ونواصل سلوكياتنا في رمضان‏,‏ بل أن نقضي العام كله بأخلاق الصيام‏,‏ فهذه الأخلاق، هي الحكمة المبتغاة من تشريع هذا الركن الأساس من الإسلام.
* لنتذكّر في هذا اليوم البهيج، أيتامنا وأيتام المسلمين‏,‏ ونرعاهم بما نرعى به أولادنا‏,‏ ونفكر فيهم‏,‏ كما نفكر في أنفسنا.
* إن الله تعالى، أراد لنا أن ننتج الفرح في مجتمعاتنا‏,‏ ونبتعد عن إثارة الفتن والمشكلات‏,‏ ونقترب من بعضنا بعضا‏,‏ والعيد لا يكتمل إلا بالفرحة وتقارب الناس‏,‏ ولا يكون صافيا إلا إذا تخلصنا من الخصام والضغينة؛‏ فالحقد ليس من الإسلام‏,‏ وكل من يدعو إليه ينحرف عن طريقه القويم.
* فليكن العيد عيد حب‏,‏ وفرح‏,‏ وتسامح‏؛‏ لذلك علينا ألاّ نحاصر الناس في كل ما يفكرون ويعتقدون‏,‏ وعلينا أن نعترف بالآخر‏,‏ وأن نستمع إليه‏,‏ وأن يكون الحوار معه علميا وموضوعيا‏,‏ لا حوار تصادم‏,‏ فالله ـــ سبحانه وتعالى ـــ يقول‏:‏ ''يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد‏,‏ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون''‏.‏
* من أجمل ما قرأت في لطائف المعارف‏:‏ يا شموس التقوى والإيمان اطلعي‏,‏ يا صحائف الصالحين ارتفعي‏,‏ يا قلوب الصائمين اخشعي‏,‏ يا أقدام المجتهدين اسجدي لربك واركعي‏,‏ يا عيون المتهجدين لا تهجعي‏,‏ يا ذنوب التائبين لا ترجعي‏. ‏وكل عام وأنتم بخير‏..‏ ورمضان كريم..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي