نحن في حاجة لنتذكر

قصة كل واحد منا تبدأ وهو طفل، فحين نكون أطفال يدعونا معظم من حولنا إلى أمور ترهق فطرتنا، ويقولون لنا هذا عيب وذلك خطأ وذاك مهم وهذا يجب، وفي كلامهم شيء مما هو منسجم مع فطرتنا وكثيرا منه مرهق لطبيعتنا البسيطة النقية، ولكي ندرك دوائر رضاهم نتبعهم لاعتقادنا بأنهم مصدر قوتنا، وحين نكبر نترك من نحن لنرضيهم ونأمن جانبهم ونتحدث بلغتهم، وقد نحتفظ في بادئ الأمر سرا بما ينسجم مع فطرتنا ونظهر اقتناعنا بآرائهم، ولكن مع مرور الوقت ننسى حقيقتنا ويتحول الممثل إلى حقيقة، فنتبعهم ونسعى في الدنيا خلف السراب نفسه فنضيع عن فطرتنا كما البعض ضائعون.
الفطرة هي ما فطرنا عليه، أي ما هو حق و حقيقي في تكويننا، ولا يمنعنا عن فطرتنا وفاطرنا إلا الأوهام، ومجاهدتنا الأهم في هذه الحياة هي في إزاحة تلك الأوهام التي تحجبنا عن فطرتنا وحقيقتنا، لأنها حين تتلبد حول قلوبنا تغشاها فلا نعد نرى إلا إياها، وليس من السهل أن ندرك ما يدور في أنفسنا من أوهام واعتقادات زائفة، فإن أكثرنا محجوب عما يدور فيها وآلية سيطرتها علينا، فالنفس تسعى لتستحوذ علينا من خلال القلب إذ لا سلطان لها على الشعور ولا على الجوارح إلا من خلاله، وهي تستحوذ عليه بإملائه معتقدات وأوهام تتجانس وهواها، وتنجز ذلك بإلقاء الخاطر بعد الآخر حتى يتقبلها، وحين تستحوذ النفس على المعتقدات التي في القلب تكون قد استحوذت علينا، إذ من خلال المعتقد الذي في القلب نرى عالمنا ونستجيب له.
حين نعيش خلاف ما فطرنا عليه سننزل أسفل سافلين، فترانا مثلا ننبسط عندما نحب ونعفو ونعطي ونتسامح وننقبض عندما نبغض وننتقم ونبخل، فوجودنا يتكامل بالمحبة والتواصل ويتقلص بالكراهية والتنابذ، وكلما يقترب أحدنا من الفطرة يتألق نوره ويزداد جماله.
فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي أحسن تقويم والطريق الأقوم، ولكن أكثرنا لم ينتبه فترانا في غفلة عنها، قال تعالى «فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، فأكثرنا لم ينتبه أن نسج فطرتنا فيه أقصى راحتنا، ولا راحة لنا إلا حين نعيش خلقنا هذا وحقيقتنا، وما ارتاح إنسان من قبل ولا بعد إلا حين يعيش نسيج فطرته، فهناك واحة من السكينة في داخلنا بانتظار اكتشافها، وأن ما ننشده لنرتاح كامن في داخل كل واحد منا، ولا جدوى من التدافع نحوه في الخارج، فنحن لسنا في حاجة إلى زيادة في المعلومات أو المقتنيات، ولكن إلى ما يذكرنا ويوقظنا من غفلتنا، فقد طبع في القلب علم كل شيء ولكننا نسيناه، ونحن بحاجة فقط أن نتذكر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي