نتعلم كثيرا في رمضان
شهوة البطن هي على التحقيق رأس المعاصي، وينبوع الشهوات ولا علاج لها إلا بالصوم ليروض الإنسان نفسه بالجوع حتى تنكسر حدتها، وفي ذلك يقول الحكيم الترمذي في كتابه "أدب النفس": "... فأما الرياضة فهي مشتقة عربيتها من الرض وهو الكسر، وذلك لأن النفس اعتادت اللذة والشهوة وأن تعمل بهواها فيحتاج الإنسان إلى أن يفطمها، فإذا فطمها عن العادة انفطمت، ثم إذا وجدت طيب اليقين وحلاوة القرب لم تحن إلى تلك الشهوات.
إن قلب الإنسان إذا تطهر من الاشتغال بالشهوات صقلت مرآته لأن الشهوات تشوش صفحة القلب كما تغبش حرارة الأنفاس صفحة المرآة، ولهذا يقول لقمان لابنه: "يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة"، ولهذا يأتي رمضان ليعلمنا الكثير من الدروس والحكم في التربية الروحية.
من صيام رمضان نتعلم الكثير ونرتقي بأرواحنا، فالجوع يصفي القلب، والشبع يعميه، ويورث البلادة لأنه يكثر البخار في الدماغ فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار.
بالجوع تنكسر حدة النفس وتذل فتخشع لربها وتسكن له، وما لم ير الإنسان عجزه فلن يشعر بعزة مولاه ولا قهره، ولهذا لما عرضت الدنيا على النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: "لا، بل أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت صبرت وتضرعت، وإذا شبعت شكرت" رواية الترمذي.
والصيام كذلك صحة للمجتمع، لأن الصائم يشارك الفقير جوعه ويشعر أكثر بحقيقة آلامه، فيسهل عليه أن يتصدق على المحتاجين بالطعام والمال، وقد نظر الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ إلى رجل سمين البطن، فأومأ إلى بطنه بأصبعه وقال "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك" أي لو تصدق بما يزيد على حد جوعه لكان الطعام في بطن غيره، ولحمى نفسه من السمنة، وعن الحسن قال "والله لقد أدركت أقواما كان الرجل يمسي وعنده من الطعام ما يكفيه، ولو شاء لأكله، فيقول: والله لا أجعل هذا كله في بطني حتى أجعل بعضه لله".
هنيئا لكل من أكل فتذكر الجياع وتذكر يوما يجوع فيه الناس فحمد الله وتصدق، فليس الجوع عن الطعام هو وحده المقصود من الصيام، بل الجوع الحقيقي هو الذي ترتاض به النفس البشرية هو الإيثار وأن تشارك الناس بما تملك، وأن تتنازل عن جزء مما تملك من طعامك ومالك وملبسك وعلمك وفي كل شيء تحبه أو تملكه لغيرك، وفي ذلك يقول تعالى "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".