رمضان: بقي الاسم وضاع الجوهر

ارتبط كثير من العبادات والقيم السامية في الإسلام بشهر رمضان المبارك، إذ انفرد رمضان بفريضة الصوم وتميزت أيامه باجتهاد المسلم في تلاوة وتدبر القرآن، قيام الليل، والاستغفار. كما عرف ذلك الشهر بأنه موسم للعطاء والإحسان، والصبر على العطش والجوع ابتغاء وجه الله تعالى. بمعنى آخر أن شهر رمضان، من أوله إلى خاتمته، يعد برنامجا متكاملا لتدريب المسلم على الكفاف، وترويض النفس والسمو بها عن الشهوات. ذلك البرنامج من شأنه ـ لو التزم به المسلمون ـ تحقيق منافع سلوكية واقتصادية بات المجتمع في أمس الحاجة إليها، ولا سيما في ظل ما نشاهده من حولنا من شح في الموارد الطبيعية، وانتشار الكوارث من فيضانات، زلازل، وجفاف.
لكن المؤسف أن تلك القيم التي اختص بها شهر رمضان تراجعت بشكل لافت للنظر في الأعوام الأخيرة، إذ أصبح الشهر موسما للإسراف والتبذير، كما أمست لياليه الوقت المفضل للهو بأشكاله وألوانه، بينما أضحى جل نهاره للنوم والسكون. ومن المؤسف أيضا أن ذلك التفريط لم يعد قصرا على فئة أو أخرى من المجتمع، بل يكاد يكون نمطا سائدا عمت بلواه الحاضر والباد. ولعل من المفارقات المدهشة في ذلك السياق ما أشارت إليه إحدى النشرات الاقتصادية في الأسبوع الماضي عن توقعات بزيادة ملموسة في استهلاك المواد الغذائية خلال شهر رمضان. ووجه المفارقة هنا أن مقتضيات المنطق تدعو إلى انخفاض الطلب على الطعام في شهر الصوم لا زيادته!
تلك المفارقة لها تفسير وهو ما نجده في صناديق الزبالة المتخمة ببقايا الطعام من الموائد الجائرة التي أسرف أصحابها على أنفسهم. ولم يقتصر ذلك السفه في الإسراف على المنازل فحسب، بل امتد إلى ساحات المساجد وما حولها تحت ذريعة إفطار الصائمين. وهنا أود من الإخوة المحسنين الذين يبتغون وجه الله تعالى في هذا الشهر الكريم أن يتذكروا أن توزيع الطعام في المساجد بشكل عفوي غير منضبط فيه إهدار للنعمة، كما أنه قد يتأذى إخوانهم المصلون في فريضة العشاء من رائحة الأطعمة المتناثرة حول المسجد، إذ عادة ما تعجز أجهزة البلديات عن إزالة تلك المخلفات بين وقتي صلاتي المغرب والعشاء، رغم ما تكرسه من عمالة إضافية في شهر رمضان.
هناك مضار أخرى لزيادة استهلاك المواد الغذائية في شهر رمضان، من بينها ارتفاع أسعار السلع ومن ثم إرهاق جيوب ذوي الدخل المحدود ناهيك عن الفقراء. ثم هناك المضار على الصحة وفتح الأبواب أمام حزمة كبيرة من الأمراض، بينما من منافع الصيام رفع مناعة الجسم وتخليصه من السموم.
إن قضية التبذير والإسراف في مجتمعنا، لا سيما في استهـلاك الطعام، سبق أن تناولتها أقلام عدة، إلا أننا لا نكاد نرى لتلك الطروحات أثرا يذكر في سلوكيات المجتمع. ذلك يدعو إلى تسخير إمكانات منظمة على المستوى الوطني لتقويم وإصلاح تلك السلوكيات عبر وسائل الإعلام، منابر الجمعة، والمدارس. إذ إن الموضوع يستحق ذلك الاهتمام، وليس مستغربا أن يكون شهر رمضان نقطة انطلاق لتلك المبادرة الوطنية، فقد كان على مر التاريخ مسرحا لأهم الأحداث التي شهــدتها الأمة الإسلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي